"وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" [الحج:36-38]. الأضحية شعيرة إسلامية مقدسة أسوة بأبي الأنبياء سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، وعليه هي واجبة على من استطاع، ومن لا يملك ثمنها فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فقد ضحى الرسول الكرم عن كل هؤلاء الذين لا يستطيعون إلى أضحية العيد سبيلا. وعلى المضحي أيضا أن يتصدق على الفقراء ويطعم منها البائس الفقير والقانع المعتر. * "كبش العيد" وفقط.. غير أنها في هذه الأيام فقدت الكثير من معانيها ومقاصدها، يل ودخلت دائرة المحرمات في بعض الأحيان. فقد أصبح الأهم فيها دماؤها ولحومها، والتباهي بها بين الناس أو استجابة لمطالب الأطفال أو نكاية في الجار، أو افتخارا بين الناس.. أو لهزم كباش الآخرين في منافسات "النطيح والدقة" المحرمة شرعا، ومع ذلك تنظم بالملايين والعياذ بالله، ولم يبق للتقوى من إتيانها شيء. لقد دخلت أضحية العيد في مخيلة الناس ضمن المناسبات والتقاليد الاجتماعية من دون أي دلالات دينية مقدسة، حتى أن المسلمين في الكثير من بلاد الدنيا لم يعودوا يسمونها أضحية. فالبعض يطلق عليها "الكبش" هكذا بكل اختصار، والبعض الآخر يسميها، "كبش العيد"، والبعض الثالث يصفها ب "العيادة". وهذا يعني اجتماعيا ودينيا أنها لم تعد استجابة لشعيرة دينية بقدر ما أصبحت تقليدا اجتماعيا يقدم عليه المضحي لأسباب غير التي شُرعت بها وغير المقاصد التي سنت من أجلها. * أضحية أم عمل خيري ولأنها فقدت معناها وجوهرها فقد طالها من الاجتهاد والمساعي والحملات ما طال المواعيد والطقوس الاجتماعية الأخرى من العمل الخيري فلم تعد تختلف عن الدخول المدرسي أو قفة رمضان أو ملابس العيد، أو الزواج ف "كبش العيد" أضحى هو الآخر موضوعا للأعمال الخيرية، والمبادرات الإنسانية ك : "كبش لكل عائلة فقيرة "، للتقعر على الناس وسط صمت رهيب للعارفين بتعاليم الدين ومقاصد الشرع. والغريب في الأمر أنه وفي كل عام ومع تجدد الشكوى بغلائها، فإن الشاكين هم أكثر الناس إقداما على شراء كبش العيد في حين أن السنة أن يقتني الضحية من يملك سعرها أو من يستطيع أن يوفره ولو بعد حين. ومع تجدد هذه الظاهرة كل عام أصبح المضحي وهو يشتري الكبش مكرها وكأنه يتصدق على الغير أو يجلب الحسنات لغيره. والحقيقة أن الأضحية لم تكن في أي يوم من الأيام غالية بالنظر لما يجنيه الإنسان من حسنات إن هو بلغت تقواه المولى عز وجل. فالجزائري يصرف الملايين طيلة العام في اللهو واللعب ويعد العدة لكل المناسبات حتى يكون في الموعد لكن عندما يتعلق الأمر بالمناسبات الدينية تجده يصرخ ويستغيث، ويتأوه من الأسعار والأثمان. فلا يزكي لأن المقدار كبير، ولا يتصدق لأنه بخيل، ولا يحج لأن تكاليف الحج كبيرة، ولا يعتمر لأن العمرة مكلفة، ولا يضحي لأن الكباش غالية و... أما عندما يتعلق الأمر بالعطلة في تونس أو على شاطئ البحر مع كل ما تكلفه من أضعاف مضاعفة لما تكلفه الأضحية، فذاك مقدور عليه. الواحد منا أصبح "يستخسر" في الفلاح أو الموال أو حتى التاجر سعر الكبش الذي يكسب منه قوته مع كل ما يكلفه من مشاق وأتعاب والذي لا يتجاوز في أحسن الأحوال مليونين أو ثلاثة ملايين سنتيم، ويرغب في شرائه بأبخس الأثمان، ولا يستخسر في صاحب الفندق أو المنتجع الملايين التي يدفعها.. * .. ويربي الصدقات. لقد فات الجميع أن الأولى تجارة مع الله وقد وعدنا بأنها ستكون رابحة، وبأنه سيرد نفقاتها أضعافا مضاعفة لذا فهي رخيسة الأضحية مهما غلت، والثانية تجارة مع العباد وفيها الكثير من المنكرات والمفاسد والمحرمات فلا يبارك فيها الله فتكون كلها خسارة في خسارة والعياذ بالله. لكن وفي غياب الوعي والورع فإن الجميع يبدو غافلا عن هذه الحقائق منتشيا بمتعة الحياة الدنيا، مستاء من غلاء الأضحية وتكاليف الحج والعمرة.. وزارة الشؤون الدينية ينتظرها عمل كبير إن كانت فعلا تنوي العمل لتصحيح المفاهيم وتوعية الغافلين عن دينهم، وإعادة الأمور الدينية إلى نصابها حتى يصبح كبش العيد أضحية، والتضحية شعيرة دينية لا تقليد اجتماعي تفرضه ضغوط اجتماعية أو شروط الفخر والتباهي أو اللهو واللعب.ذلك لأنه لم يبق من أضحية العيد إلا كبشها، إلا من رحم ربك.