الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى وبعد: سيدي الرئيس، السادة المستشارون، السادة المحلفون، لا أريد أن أطيل عليكم، ولكن المقام يحتاج إلى مقال، ومقالي هو أن أبطل شبهة ما جاء في محضر الشرطة من إتهامات باطلة لا أساس لها من الصحة، ويعلم الله أني منها بريء، كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام وهذا الملف السقيم الذي تتشبث به النيابة غفر الله لها سوف أبطله كما أبطل موسى عليه السلام سحر فرعون، فقال تعالى : "فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين" فهذا السحر المتمثل في الملف الذي جاء به المفوض دامس والذي صدقته النيابة وما ينبغي لها أن تصدقه وهي تعلم في داخلها أنه باطل قال تعالىز "فجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا". حيث قالت النيابة، إني لا أحمل جواز السفر معي، سبحان الله إن جواز السفر، اسم على مسمى، فهو خاص بالسفر وليس لنا أن نبقيه في جيوبنا، فنحن كجزائريين عندما نذهب إلى بلد معيّن وأردنا أن نقيم فيه، نقوم بتسجيل أنفسنا في المصالح المختصة بالإقامات، فتكون لدينا الإقامة بدل الجوازات، أما الجواز، فنتركه إما في سفارتنا أو في بيوتنا وها هو الجواز الذي تدعي النيابة أني لا أحمله، فهو موجود عند المحامي الأستاذ محمد معروف والقنصل الجزائري موجود معنا، فاسألوه إن شئتم. سيدي الرئيس، قال دامس في الصفحة الأولى المعني موجود على سجلات الأجانب في كل من مقاطعتي "تفرغ زينة ومقاطعة الميناء" فهذا الكلام، يوهم أني كنت أتنقل من مكان لآخر، مما يوهم أني لم أكن مستقرا في مكان معيّن وهذا يجلب الشبهة وأقول أما تسجيلي في مقاطعة تفرغ زينة، لأني كنت أدرس آنذاك في المعهد السعودي وكما تعلمون جميعكم أن المعهد تابع إلى تلك المقاطعة، فسجلت نفسي هناك، وبعد تخرجي انتقلت إلى المقاطعة السادسة، أي الميناء، فسجلت نفسي في تلك المقاطعة، وهذا كله حرص مني على أن أكون منضبطا بالتعليمات التي تصدرها وزارة الداخلية الموريتانية. سيدي الرئيس، قال في الصفحة الرابعة بناء على التصريحات السابقة، عاد ليصرّح لنا بمايلي. وفي الصفحة السابعة عشر قال: بعد تعميق البحث مع إسماعيل، عاد ليصرّح لنا، وقوله بعد تعميق البحث، أي بعد استكمال التعذيب، فأقروا بأنفسهم على أنهم كانوا يعذبونني أشدّ التعذيب.. فقوله بعد تعميق البحث دليل على أنهم كانوا يستخدمون معي القوة والعنف: سيدي الرئيس، إن الإكراه وسيلة ينتزع بها الأشرار ما يريدون الوصول إليه، فهذا عمّار بن ياسر رضي الله عنه أكره على قول كلمة الكفر قال تعالى: " "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان" وعندما قال كلمة الكفر وذكر آلهتهم بخبر ظن أنه قد ارتد عن الدين بعد الإيمان؛ فطمأنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن عادوا فعد"، فأخبره صلى الله عليه وسلم أنهم إذا عادوا إلى التعذيب، فعد إلى قول كلمة الكفر ولا حرج من ذلك. فهذا ينطبق على العبد الضعيف الماثل أمامكم، فقد أكرهت بالتعذيب الشديد والقطع بالمنشار وإطفاء السجائر على ساقي بأن أقرّ على نفسي بأنني من الأشرار وقلبي مطمئن بأنني من الطيبين الأخيار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" سيادة الرئيس، إنّ جدكم رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع علينا الحرج إذا استكرهنا عليه بالتعذيب، فاقتدي بجدك المصطفى صلى الله عليه وسلم وارفع عني هذا الحرج، تكون قد أخذت بسنّة أبيك صلى الله عليه وسلم ومن شابه أباه، فما ظلم. سيدي الرئيس، السادة المستشارون، السادة المحلفون، السيد وكيل الجمهورية، السادة المحامون، أيها الحضور الطيب، إن الجلادين الذين قاموا بتعذيبي وهم التالية أسماؤهم. محمد لكبير الملقب "دامس" وديدي ولد المبارك، حيث قال لي دامس إنه من الإستخبارات العسكرية، جاء للتحقيق معي ومحمد ولد أحمد من قبيلة "اللعْلبْ" ومحمد الملقب "البرانس" من أهل روصوا، هؤلاء الأشخاص هم الذين قاموا بتعذيبي ولن أسامحهم فقد عاملوني بوحشية، حيث جُردت من ثيابي كلها وبدأوا يعبثون بجسدي ولا أدخل في تفاصيله، لأن حذف ما يعلم جائز، كما قال ابن مالك في ألفيته. سيدي الرئيس، السادة المستشارون، السادة المحلفون. إن آثار التعذيب، مازالت موجودة معي لحدّ الآن، حيث مرّ عليها حولان كاملان، فأصبحت هذه الآثار عاهة مستديمة لا تمحوها الأيام ولا السنون، وسوف أريك سيدي الرئيس، هذه الآثار كي تتأكد منها وتكون قد ألزمت نفسك بالشهادة عليها. سيدي الرئيس، ومن الشخصيات التي رأت التعذيب في أيامه الأولى، السيد القنصل الجزائري، حيث جاء لزيارتي في المفوضية الميناء رقم 2 بتسريح من وزارة الخارجية الموريتانية، حيث قمت بإظهار التعذيب له، فانكمش جلده من شدّة ما رأى وها هو أمامكم، فاسألوه. ومن الأشخاص البارزين الذين رأوا التعذيب، مستشار السفير الجزائري، عندما جاء لزيارتي في السجن وكذلك نقيب المحامين السيد أحمد ولد يوسف ولد الشيخ سديا رفع الله قدره، فهو أمامكم فاسألوه. وكذلك من ضمن الأشخاص الذين رأوا هذا التعذيب، وزير العدل السابق السيد محفوظ ولد بتاح، حيث جاءني قبل الإنقلاب بأسبوع ورأى التعذيب بأم عينيه، وقال لي بالحرف الواحد. هذا جرم ويجب على أصحابه أن يعاقبوا. وقد أعطيته الوكالة للمرافعة عني، وبعد أسبوع، جاء تصحيح الثالث من أغسطس، فأصبح المحامي وزيرا والوزير تابع للدولة، والدولة المتمثلة في النيابة تتهمني، فصلّوا عليّ أربعا يرحمكم الله سيدي الرئيس، السادة المستشارون، السادة المحلفون، طلب محامي من القاضي أن يعطيني تسخيرا طبيا يتم بموجبه إخراجي من السجن والكشف عن حالتي الصحية من طرف طبيب مختص بالجلود، وبعد مرور سنة ونصف، استجيب لهذا الطلب وأعطاني وكيل الجمهورية السابق، السيد محمد بوية ولد الناهي، أمرا بالتسخير الطبي، حيث جاء به الأستاذ أحمد مسكة إلى مسير السجن السابق ولد العيد، وبعد ذلك استدعاني المسيّر وقال لي بالحرف الواحد، لقد جاءتني تعليمات عليا أن لا أقوم بإخراجك من السجن. سيدي الرئيس؛ إن الجالية الموريتانية بالجزائر، تعيش معزّزة مكرّمة ولم ولن يتعرّض لها أحد بسوء، اللهم إلا من طرف بعض المنحرفين، فانظر سيدي الرئيس إلى الجزائريين في موريتانيا، كيف أهينوا من طرف الشرطة، حيث شوهوا سمعتهم واتهموهم ووصفوهم بالأشرار، قال تعالى: "وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنّا نعدهم من الأشرار اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار إنّ ذلك لحق تخاصم أهل النار". سيدي الرئيس، كيف يمكنني أن أعود إلى أهلي مشوّه الخلقة كأن في جسدي برص، بعضه أبيض والبعض أسود. سيدي الرئيس؛ قد صدق المفوض "دامس" عندما قال لي بالحرف الواحد " سوف أغيّر جسدك من البياض إلى السواد كجسد الحراطين" سيدي الرئيس؛ كيف أخبر إبنتي الصغيرة عندما ترى هذه البقع المتناثرة في ساقي وقدمي وتسألني من الذي فعل بك هذا يا أبي؟ ترى ما يكون جوابي، هل أقول لها سقطت في بئر بضاعة أم أقول لها نهشتني الكلاب البشرية. كيف إذا رأت زوجتي ما حدث بساقي وآثار المنشار بادية على فخذي والسجائر على قدمي وصدري؟ أترك الجواب عندكم سيدي القاضي. سيدي القاضي؛ أريد أن أوجه كلمة إلى النيابة العامة، فأقول لها: يا أيتها النيابة، كيف يطيب لكِ الاطمئنان وراحة البال وأنت تدافعين عن الجلادين والسفاكين ونسيت قول الله تعالى: "ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفور رحيما، ومن يكسب إثما، فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به، بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا". سيدي الرئيس؛ أذكر نفسي وإياك بحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو مما أسمع، فمن قطعت له من حق أخيه شيئا، فلا يأخذه فإنما أقطع له به قطعة من النار". "متفق عليه واللفظ لمسلم". فانظر سيدي الرئيس، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن بعض الأشخاص يكون ألحن بحجته، أي أبلغ وأظهر من المتهم، فيقضي القاضي على نحو مما يسمع ويظهر له أنه هو الحق، فحذره الرسول "ص" أن يحكم له وقال: "فلا يأخذه، أي فلا يأخذ هذا الحكم، فإذا أخذه فكأنما أخذ قطعة من النار، والعبرة سيدي الرئيس بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالله الله في الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" سيدي القاضي؛ أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن تكون من القضاة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بدخول الجنة، وذلك لحديث أبي بريدة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة، واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة، فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم، فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل، فهو في النار حديث صححه أبو داود وقال الألباني صحيح. سيدي الرئيس؛ إنني متأكد أنكم لن تحيدوا على النهج الذي سطره لكم جدكم النبي صلى الله عليه وسلم. سيدي الرئيس؛ السادة المستشارون، السادة المحلفون، أختتم مقالي هذا بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، كي تحكموا عليّ على إثر ما ستسمعونه وهو موجه كذلك إلى هذا الجمهور الكريم: فعن أنس قال: مرّ بجنازة، فأثنى عليها خيرا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: وجبت، وجبت، وجبت" ومرّ بجنازة، فأثنى عليها شرّا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم" وجبت، وجبت، قال عمر" فداك أبي وأمي" مرّ بجنازة فأثني عليها خير، فقلت: وجبت، وجبت، وجبت، ومر بجنازة فأثني عليها شرّ، فقلت: وجبت، وجبت، وجبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرّا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في أرضه، 3 مرات" متفق عليه واللفظ لمسلم. سيدي الرئيس؛ هذه الشهادة خاصة بالأموات، وأنا أقول لك سيدي الرئيس اسأل ضميرك أولا، ثم إسأل هذا الجمع الطيب، فإن شهدوا عليّ خيرا وجبت براءتي وإن شهدوا عليّ شرّا وجبت إدانتي، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم. كتبه من داخل السجن المدني. إسماعيل بن عبد الله عيسى نواكشط في 17 جمادى الأولى 1468ه الموافق ل3 جوان 2007م.