أقل من ستة شهور قبل الانتخابات الرئاسية ولا مرشح في الأفق ينافس الرئيس بوتفليقة على منصبه، فعلامات الرتابة ظاهرة على الحدث الانتخابي الذي قد يصبح مجرد إجراء شكلي، لكن هناك إشارات توحي بالرغبة في تنشيط الساحة لضمان الحد الأدنى من الإثارة. نجيب بلحيمر لم يتردد أمين عام جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم في القول إنه لا يعارض مجيء مراقبين دوليين للتحقق من نزاهة الانتخابات الرئاسية، وقد تحدث بلخادم مباشرة بعد لقاء جمعه بشريكيه في التحالف الرئاسي، أحمد أويحيى وأبو جرة سلطاني، ما أوحى بأن هذا الموقف مشترك بين الأحزاب الثلاثة التي أعلنت رسميا دعمها للرئيس بوتفليقة للبقاء في منصبه لفترة رئاسية أخرى، وهذا الموقف يبدو كمحاولة لمنح مزيد من الضمانات لتشجيع السياسيين على الترشح للانتخابات خاصة بعد أن اشترط سعيد سعدي، وهو أحد منشطي الانتخابات الرئاسية في زمن التعددية، اشترط حضور مراقبين دوليين للمشاركة في الانتخابات. سيكون من الصعب هذه المرة أن يجد بوتفليقة منافسا مثل علي بن فليس، فالشخصيات التي تتحدث عنها وسائل الإعلام كمرشحين مفترضين لمنصب الرئاسة لا تبدي أي اهتمام بالموضوع، المعارضون من أمثال آيت أحمد يرفضون الدخول في اللعبة أصلا، والمعارضون المشاركون من أمثال لويزة حنون مشاركتهم لا تقدم أي إضافة لمصداقية الانتخابات خاصة بعد أن صوتوا لصالح تعديل الدستور، وهو ما يعني إلى حد بعيد تزكية لبقاء بوتفليقة في الحكم، والذين التزموا الصمت مثل مولود حمروش مقتنعون بأن ساعة استدعائهم للخدمة مجددا لم تدق بعد. والحال هذه قد يجد بوتفليقة نفسه وحيدا في سباق محسوم سلفا، وهو أمر لا يخدمه لأنه يمنح خصومه فرصة التشكيك في شعبيته أو حتى في شرعية استمراره في المنصب. ما يزيد في تعقيد الوضع هو أن الذين يريدون إنهاء فترة حكم بوتفليقة في أفريل القادم يطرحون بدائل غريبة، فقد تداولت الصحف أخبارا عن تشكيل لجان لدعوة الرئيس السابق اليامين زروال للترشح مجددا للمنصب، وقيل أن الجنرال الماكث في بيته غاضب بسبب تعديل الدستور، الذي يسمى أيضا دستور زروال، وترد صحف أخرى بالقول إن زروال رفض عرضا بالترشح دون أن نعرف الجهة التي تريد ترشيحه فعلا والضمانات التي قد تقدمها له، والحقيقة أن طرح اسم زروال يعني استبعاد ظهور بدائل حقيقية من خلال توجيه الجدل في الساحة السياسية إلى مقارنة بين فترتين الأولى انقضت قبل عشرة أعوام والثانية تشرف على نهايتها، وهذا نقاش مشدود إلى الوراء ويضع جانبا المستقبل الذي يفترض أن يكون محور الاهتمام والموضوع الأول في أي انتخابات. عندما ترأس بوتفليقة أول اجتماع لمجلس الوزراء بعد تعديل الدستور صدر بيان جاء فيه أن الرئيس أمر الوزير الأول والحكومة بالإسراع في تطبيق الإجراءات التي ينص عليها ميثاق السلم والمصالحة، ولم يكن هذا التأكيد إلا عنوانا للحملة الانتخابية، وهو عنوان قديم خاض به بوتفليقة حملتين سابقتين، وهناك من استنتج أن التمهيد لاتخاذ قرار العفو الشامل قد بدأ فعلا، وحتى قضية العفو الشامل هذه أصبحت الآن من الماضي بعد استنفاد كل طرق إقناع المسلحين بترك السلاح والعودة إلى الحياة الطبيعية، وليس هذا فحسب، فالمجتمع لم يعد يرى في مسألة المصالحة الوطنية أولوية الآن بعد أن تم اعتماد ميثاق السلم والمصالحة وترك أمر تطبيقه للجهات المختصة. من هنا يبدو إخراج ورقة المصالحة مجددا كمحاولة لجعل الحملة الانتخابية لبوتفليقة تقوم على المقارنة بين عهده وما سبقه من مراحل، فالحديث عن الأمن والاستقرار لا يقوم على تقديم خطط واقعية لمواجهة المخاطر التي يمثلها استمرار نشاط الجماعات المسلحة، ولا على وعود بتطوير أساليب مواجهة هذه الجماعات مع ما يتلاءم مع أساليبها الجديدة مثل العمليات الانتحارية واستعمال المتفجرات على أوسع نطاق داخل المدن، بل يقوم على المقارنة بين الاستقرار القائم الآن مع حالة الانهيار الشاملة التي كانت سائدة في العقد الأخير من تسعينيات القرن الماضي، ولعل تعمد التلويح بخيار زروال ينطوي على مسعى للتأكيد على هذه المقارنة والتي تمتد لتشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية أيضا مع إغفال متعمد للأسباب التي أدت إلى تغير الأوضاع، وهي أسباب لا تتعلق بالسياسات التي جرى تطبيقها. التحدي الآخر الذي سيواجهه بوتفليقة في الانتخابات القادمة هو المشاركة في التصويت، فقد أثبتت آخر انتخابات جرت في الجزائر بأن العملية الانتخابية أصبحت فاقدة للمصداقية، وحسب وزير الداخلية فإن سبب ضعف المشاركة، التي كانت في أدنى المستويات، يعود إلى عدم قدرة الأحزاب على تجنيد المواطنين وإقناعهم، وهذا التفسير غير متماسك لأن نسبة الاهتمام بالانتخابات تراجعت وقد تبين ذلك أولا في الاستفتاء حول ميثاق السلم والمصالحة، ويبدو أن حماس الناخبين بدأ يفتر مع مرور الوقت ومع ظهور الفوارق بين الوعود والنتائج المحققة على الأرض. الخوف من عزوف الناخبين عن التصويت كان وراء تحاشي عرض تعديل الدستور على الشعب من خلال الاستفتاء، والانتخابات الرئاسية لا بد لها من حد أدنى من الإثارة حتى تصبح محل اهتمام من قبل الناس، وبقدر ما يسود الاعتقاد بأن النتائج محسومة سلفا يحجم الناخبون عن التصويت خاصة وأن الظروف الاجتماعية الصعبة قد تدفع بفئات كثيرة إلى مقاطعة الانتخابات كسلوك احتجاجي، وإعادة انتخاب الرئيس بنسبة مشاركة متدنية سيكون أمرا في غاية الإحراج لأنه سيمتد ليضرب مصداقية تعديل الدستور خاصة وأن الرئيس سيترشح، حسب السيناريو الجاري، استجابة لدعوات ملحة من مختلف فئات الشعب. إلى غاية الآن ليس هناك ما يشير إلى أن بوتفليقة سيخوض سباقا مثيرا مثلما حدث في سنة 2004 وسيكون الاكتفاء بانتخابات شكلية خطوة إلى الوراء على مسار بناء دولة المؤسسات والقانون والحق التي تعتبر أولوية حسب الخطاب الرسمي.