كان الحدث خلال الأسبوع الماضي هو ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية ثالثة للإنتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 9 أبريل المقبل، وقد جرت عملية الإعلان في القاعة البيضوية بمركب محمد بوضياف الرياضي، 5 جويلية بالعاصمة، وهي أكبر القاعات المغلقة في الجزائر. وكانت الأجواء احتفالية، أضواء، موسيقى وهتافات.. حتى أن إحدى الجرائد وصفت حفل الترشح بأنه تم على الطريقة الأمريكية• ويبدو أن الرئيس المترشح فضل أن تكون الأجواء مميزة من الناحية الفنية ومتميزة من حيث نوعية الحاضرين من مختلف الأطياف السياسية، كما أنه يكون قد أراد أن يعوض عزوف الشخصيات ذات الوزن الثقيل عن الترشح لرئاسيات 2009 حيث أنه جمع عددا كبيرا من هذه الشخصيات تحت قبة القاعة البيضوية، ومن بين الشخصيات الملفتة للإنتباه بحضورها.. العميد محمد العماري القائد السابق لقيادة أركان الجيش الذي قيل إنه لم يدعم بوتفليقة في رئاسيات 2004 عندما كان في منصبه العسكري وفضل دعم منافسه آنذاك المرشح "علي بن فليس" كمرشح لحزب جبهة التحرير الوطني- التي انقسم بين مؤيد للرئيس وبين معارض له - وحتى إن كان أمر دعم العماري لبن فليس لم يعلن عنه رسميا إلا أن ذهاب العماري من قيادة الأركان مباشرة بعد رئاسيات 2004 يدفع إلى الإنطباع بأن هذا الكلام صحيح. كما كان حاضرا الجنرال محمد تواتي الذي سبق له أن انتقد بطريقة واضحة خطة بوتفليقة في مكافحة الإرهاب• وخلاصة القول أن بوتفليقة تمكن من جمع أغلب الوجوه السياسية ما عدا البعض ومن بينهم الرئيس السابق اليمين زروال، الذي رفض الترشح لرئاسيات 2009، رغم إلحاح بعض الفاعلين في الطبقة السياسية الجزائرية عليه. كما جمع بوتفليقة شخصيات كثيرة من المجتمع المدني ومن الوسط الفني والرياضي ومن الأسماء التاريخية التي كان لها دورا مهما في الثورة الجزائرية. وكما هو معروف فإن حفل الترشح نظمته أحزاب التحالف الرئاسي وهي حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم، بدعم ومساندة من 60 جمعية ومنظمة نقابية وجمعوية ومن الأسرة الثورية• وبهذا الإعلان، يكون بوتفليقة قد وضع حدا لحالة الإنتظار التي كانت تسود الساحة السياسية، والتي ذهب من خلالها البعض إلى القول بإمكانية عدم ترشحه لأسباب قد تكون صحية وقد تكون غيرذلك. المهم أن الرئيس ظهر في الحفل بأنه في صحة جيدة حتى أنه حاول استباق حرسه الخاص في السير على المنصة وأروقة القاعة لتحية مناصريه• بوتفليقة ترشح مستقلا مثل المرات السابقة، حيث تقدم بنفس صيغة رئاسيات 2004 و1999 التي سمي فيها آنذاك ب "مرشح الإجماع" عندما دعمته أحزاب التحالف الحالية وبدأت عملية تحالفها معه ومازالت حتى الآن، كما قام بتعيين عبد المالك سلال وزير الموارد المالية مديرا لحملته الرئاسية للمرة الثانية على التوالي. في الرئاسيات الأولى في 1999 كان علي بن فليس مديرا لحملته، وبهذا تكون الحملة الحالية بنفس الوجوه وبنفس الأساليب السابقة، وما قد يميزها عن الحملات السابقة هو أن بوتفليقة لن يجد - وهذا يظهر حاليا - من ينافسه أو بالأحرى فإن المنافسين الحاليين ليسوا بنفس الحجم الذي يتميز به المرشح الرئيس، فلا لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال التي مازلت لم تعلن رسميا عن ترشحها يمكنها أن تنافسه، ولا موسى تواتي رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية يمكنه منافسته، ولا حتى القادم الجديد محمد السعيد رئيس حزب الحرية والعدالة، الذي قدم طلب اعتماد حزبه مؤخرا، يمكنه المنافسة هو أيضا. ورغم وصول عدد المرشحين إلى 25 مرشحا إلا أن عامل "الندرة" في المرشحين الأقوياء طاغٍ هذه المرة، فالمرشحون حاليا ليسوا مثل تلك الشخصيات التي ترشحت في رئاسيات 1999 ورئاسيات 2004 وحتى في رئاسيات 1995 التي فاز بها الرئيس السابق اليمين زروال. ولهذا فإن أجواء الإنتظار والترقب مازلت تخيم على الساحة السياسية، ويتوقع البعض أن تنضم شخصية ثقيلة إلى المرشحين الحاليين وتعلن ترشحها في الأيام القليلة القادمة، طالما أن تاريخ تسليم ملفات الترشح إلى المجلس الدستوري هو 23 فيفري المقبل.. لكن هذا يبقى مجرد احتمال فقط• وتبدي الأحزاب المعارضة مواقف ضد ترشح بوتفليقة بعد أن قام بتعديل الدستور لصالحه، حتى يتقدم لعهدة رئاسية ثالثة، وتمتنع عن المشاركة في الإنتخابات وعلى رأس هذه الأحزاب حزبي جبهة القوى الإشتراكية للحسين آيت أحمد الذي دعا إلى "عصيان مدني إنتخابي سلمي" عن طريق تنظيم حملة لمقاطعة الإنتخابات، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي يرأسه سعيد سعدي والذي وعد بمواصلة النضال ضد "السلطة الديكتاتورية". وللإشارة فإن الحزبين ينشطان في منطقة القبائل ووعائهما الإنتخابي يشمل بصفة خاصة تلك المنطقة التي ستكون مشاركة مواطنيها محدودة في الإنتخابات المقبلة انطلاقا من دعوات المقاطعة الموجهة فيها• والواضح أن المعارضين لترشح الرئيس لعهدة ثالثة لهم آراء، بل لنقل لهم حسابات أخرى بدأت تظهر ملامحها في بعض الجرائد في شكل تحاليل وحوارات مع معارضين، فقد تم التركيز في اليومين اللذين سبقا إعلان الترشح على نفوذ الأخ الشقيق لبوتفليقة السعيد بوتفليقة ودوره في حشد المناصرين للرئيس، وكذا على تصريحات عضو مجلس الأمة الفرنسي ذات الأصول الجزائرية "سامية غالي" التي التقت بالرئيس بوتفليقة رفقة وفد من الحزب الإشتراكي الفرنسي زار الجزائر مؤخرا، وهي التصريحات التي قالت إن "الرئيس يعتبر العهدة الثالثة تدريبية لتحضير خليفة له يتولى الرئاسة من بعده" وحتى إن كانت العضوة المعنية قد أصدرت توضيحا حاولت التخفيف فيه من حدة تصريحاتها إلا أن المعارضين يريدون تكريس فكرة معينة تتمثل في استنتاج واحد مفاده أن العهدة الرئاسية المقبلة ستكون قصيرة لسبب أو لآخر، وحسب هذا فهم ينتظرون انتخابات رئاسية مسبقة بعد الإنتخابات الرئاسية التي ستجرى في أفريل المقبل• تبقى الإشارة إلى أن العمليات الإرهابية قد عرفت تصعيدا خلال الشهر الجاري.. ومنها العملية الإرهابية الأولى في ولاية تبسة التي أودت بحياة 7 مواطنين من بينهم دركي، ثم الثانية التي أودت بحياة 8 جنود من الجيش الوطني الشعبي، وهي العمليات التي لم يحدث مثيل لها منذ مدة، وقد أعادت لنا أجواء التصعيد الأمني الكبير الذي كان يسبق الاستحقاقات الإنتخابية في السنوات السابقة، وإن كان الوضع الأمني في الظروف الحالية ليس بنفس الشكل الذي كان سائدا آنذاك• وسط هذه المعطيات، حاول المرشح الرئيس، في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة ترشحه يوم الخميس الماضي، أن يفتح آمالا جديدة للجزائريين، وأن يرد على بعض الإنتقادات الموجهة له من معارضيه ولو بطريقة غير مباشرة، حيث ركز على الجانب الإجتماعي مثل ترقية المصالحة الوطنية ومواصلة عملية إصلاح الحكم وتعزيز سلطة القانون، وذكر أنه خص الجانب التنموي بأهمية خاصة فأعلن عن تخصيص 150 مليار دولار لبرنامجه في الخمس سنوات المقبلة، واستحداث 3 ملايين منصب شغل، لكنه لم يعط إشارات واضحة حول الوضع السياسي الذي يصفه المعارضون بالمغلق فيما يتعلق بمجال الحريات العامة والفردية، واعتماد أحزاب جديدة ورفع حالة الطوارئ السارية المفعول منذ 1992•