تباينت آراء الحقوقيون والنواب المشاركون في النقاش الذي فتحته أمس الكتلة البرلمانية لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في يوم برلماني حول إلغاء عقوبة الإعدام في الجزائر، بين مدافع عن الإلغاء بدعوى حماية الحق في الحياة باعتباره حقا أسمى، وبين متحفظ يرى في بشاعة بعض الجرائم ما يستدعي الإبقاء على هكذا عقوبة، وذهب البعض إلى التنديد بالإعدام السياسي وضرورة الإبقاء على الإعدام الجنائي. أشار سعيد سعدي رئيس الحزب في مداخلته الافتتاحية لليوم البرلماني الذي نظمته الكتلة البرلمانية للحزب إلى أن قضية عقوبة الإعدام تحيطها إشكالات أثنية ودينية وسياسية وفلسفية وكانت محل جدل برلماني في النصف الثاني من القرن العشرين، وقال إنه الدول التي ألغت العقوبة من قوانينها تعكس مدى التطور والاستقرار الذي بلغته لأن ثبت من خلال الدراسات والإحصائيات أن إلغاء العقوبة لا يؤثر في مستوى الإجرام. أما علي يحي عبد النور الرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان فقد عرج في تدخله على الجدل الدائر حول العقوبة منذ قرون بين من يعطي قيمة للحياة وبين من يجعل معنى للموت، مبرزا في مبرراته لإلغاء العقوبة عدم وجود عدالة مثالية وأن الخطأ وارد جدا ولا يمكن تصحيحه في حالة تنفيذ العقوبة التي تتحول إلى قتل للأبرياء في هكذا حالة، خاصة وأن المحكوم عليهم من وجهة نظر المتحدث في غالب الأحيان هم الضعفاء والمهمشين الذين ليسا لهم القدرة على الدفاع عن نفسهم واثبات براءتهم. في سياق ذي صلة بدأ بوجمعة غشير رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان مداخلته بعبارة "ارفعوا أيديكم عن قابيل"، واستشهد في طرحه المدافع عن إلغاء العقوبة بالقضية التي كانت محل جدل إعلامي مؤخرا والمتعلقة بإعدام العقيد شعباني الذي تمت محاكمته حسب المتحدث وتنفيذ الحكم بسرعة دون منحه فرصة الطعن أو طلب العفو، وخاض غشير في طرحه في الجانب الديني، وقال إن الإسلام دين يدعو إلى الحياة ولا يوجد مبرر ديني أو ثقافي أو إنساني للاستمرار في العقوبة، في حين ذهب المحامي مصطفى بوشاشي رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى وصف العقوبة على أن تعريفها هو نفس تعريف جناية القتل في القانون، الاختلاف الوحيد هو أن عقوبة الإعدام هي قتل بالقانون تقوم به الدولة من خلال أعوانها بدعوى ردع المجرم، لكنها ليست وسيلة للردع من وجهة نظر المتحدث مستشهدا بسلسلة الانقلابات التي عرفتها المغرب سنوات 1971 و1972 و1973 رغم أن الملك كان يعدم بعد كل محاولة مجموعة من المتهمين بالانقلاب لكن ذلك لم يكن رادعا لغيرهم لتكرار العملية، وهو ما يجعل الاستمرار في العقوبة حسب بوشاشي غير مبرر خاصة عند الأخذ في الاعتبار احتمال الخطأ الذي قد تقع فيه العدالة لأن العقاب وسيلة وليس غاية في حد ذاتها. وفي الجانب الآخر كانت مداخلات عدد من النواب الذين دعوا إلى النظر إلى القضية من زاوية الضحية ومحيط الضحية وإلى بشاعة الجرائم التي تركب أحيانا مثل الاغتصاب والقتل والتنكيل وأن العفو من حق هؤلاء وحدهم وهو الطرح الذي أثاره النائب بن نوار نور الدين عن كتلة الأفلان الذي يرى أن الإشكال عميق ويحتاج إلى نقاش موسع بين مختلف مكونات المجتمع، وذهب بعضهم إلى رفض الإعدام في الجريمة السياسية التي تعد جريمة رأي والإبقاء عليه في جريمة الحق العام، إلا أن النائب عمر وزاني عن كتلة الأفلان عارض هذا الطرح مشيرا إلى انه في أحيان كثيرة تلبس الجريمة ثوبا سياسيا ودعا إلى فتح نقاش حول الموضوع في المجتمع ليقول الجميع كلمته بهذا الشأن قبل الإقدام على أي قرار. وتجدر الإشارة إلى أن الجزائر ومنذ سنة 1993 أوقفت تنفيذ أحكام الإعدام كما أنها وقعت السنة الماضية على اتفاقية تجميد تنفيذ عقوبة الإعدام، ويرى العديد من المراقبين أن الجزائر متجهة نحو إلغاء العقوبة في المستقبل القريب خاصة في وأن الرئيس بوتفليقة أبدى معارضته صراحة لعقوبة الإعدام.