لا نقدر على تحمّل خير السماء ونعم الربّ التي تأتي في وقت الوقت أو في غير الوقت.. يحرجنا الإله تعالى إذ يعطينا وحتى إذ كفّ عنّا.. تنزل السماءُ علينا مدرارا ونبتهل فنقول: "اللهمّ حوالينا لا علينا"..وكذلك كان.. يفرح الناس لهذا المطر والثلج والبرد و..يأسفون..! الشيء ونقيضه في هذا البلد المفتوح على الهشاشة والنسيان.. موسم واعد جدا، وفصل مطير لم يشهده الناس منذ عام 1952.. امتلأت السدود عن آخرها..جرت الأودية..نمت الأرض وربت.. لكننا لا نقدر على الخير مثل قدرتنا على الشرّ.. تجري السيول وتحدث الفيضانات هنا وهناك..تعزل الثلوج قرى ومداشر..تتقطّع بالناس السُبل..ينقطع تيار الكهرباء..تُفتقد قارورة الغاز..تسقط الحيطان والأسقف على رؤوس ساكنيها..بعضهم يموت وهو نائم والبعض الآخر يموت وهو قائم يُصلّي.. في هذا البلد من لم يمت بالفقر مات بغيره تنوّعت الأسباب والموتُ واحد..! يفضحنا هذا المطر..يعرّي عرينا الفاضح وتقصيرنا الجارح عن الاهتمام بالإنسان.. خمسون عاما ونحن نحترف كل شيء ونلتفتُ إلى كل شيء..إلاّ الإنسان.. لا نقوى على التكفّل بالخير إذا جاء..يرتفع سعر النفط أو لا يرتفع..يأتي المطر أو لا يأتي..نتعلّم أو لا نتعلّم..نعمل أو لا نعمل..كيف..كيف.. يشقى الزوالي في هذا البلد الذي جعل العدالة الاجتماعية هدفا لثورة رفضت النظام الاستعماري الاستغلالي.. يشقى الزوالي بحثا عن قارورة غاز في بلد الغاز.. يقهره البرد ويقصفه الريح ويجرّ أسماله البالية وخرقه الخرقاء..بيت من طوب، لا مسلك ولا إنارة ولا تدفئة.. يشقى الزوالي ولا أحد يسعفه أو يذكره أو حتى يخرسه.. لا نقدر على شيء من الخير إذا جاء أو حتى إذا انقطع.. و..موت يا الزوالي.. "إن الرصاصة التي ندفع فيها.. ثمن الكسرة والدواء: لا تقتل الأعداء لكنها تقتلنا..إذا رفعنا صوتنا جهارا تقتلنا، وتقتل الصغارا "! أمل دنقل