أفرزت العولمة،وربما الأمركة أنظمة في مناطق مختلفة من العالم خاصة في المنطقة العربية وظيفتها التمسّح بالولايات المتحدةالأمريكية وربيبتها إسرائيل وخطب ودّهما بالخدمات المطلوبة أمنيا وسياسيا ودبلوماسيا. تتمسّح هذه الأنظمة التي تعتبر نفسها معتدلة بكل ما تقوم به هذه القوى وما تخطط له من برامج وأهداف، ولا يهمّها السياق ولا الوسيلة في سبيل تلك الغاية حتى ولو تعلّق الأمر بالأمن القومي وبقيمة الدور والمكانة والميراث والتاريخ. لم يعد التمسّح ظرفيا مؤقتا ولا رهين تغيّر معادلات الصراع، ففجأة صار عدو العرب الأول في المنطقة هو إيران، وصار إسرائيل الصديق الحميم مهما شاكس أو غضب ومهما تغطرس أو كذب.. والمشكلة أن التمسّح آفة تصيب جهاز مناعة الدول والأمم، وتضعف إلى حدّ بعيد قوى التغيير التي تناضل ضد الفساد وغياب الحقوق والديمقراطية، ولهذا يتمّ تعميم العدوى إلى المجتمعات والأفراد، ويتمّ إفقار الناس والضغط على معائشهم ليرتهنوا بأولي الأمر ويتمسّحوا هم أيضا بأرباب النفوذ والمال الذين يملكون رأس المال وطاحونة البيروقراطيين الفاسدين والإعلاميين والمثقفين، فيبرّر كل شيء لصالح لا شيء، ويغدو الناس على دين أوليائهم يصلّون على رغبة إله يقول لهم لا أريكم إلاّ ما أرى.. ! التمسّح آفة تتحوّل في هذا الزمن إلى وظيفة أو حتى إلى فطرة ثانية، ترى الناس يركبون القطار حتى لا يفوتهم متاعه، ويتدافعون ويتهافتون.. حتى المثقفون والكتّاب صاروا مجرّد براغي في آلة لا تتوقّف عن الدوران، أما النقد أو الصوت المضاد فصيحة في واد ولكن "لا حياة لمن تنادي".. ربما انتبهت الجامعة الجزائرية المنهكة بأجور أساتذتها الزهيدة إلى أهمية البحث الاجتماعي في ظاهرة التمسّح الحزبي والسياسي، والتمسّح بأجهزة الأمن وبدوائر النفوذ، ناهيك عن التمسّح بالأحذية الخشنة وذوات الكعب العالي، وحتى بأرباب المصانع والمؤسسات. تفرز الأمركة أنظمة متمسّحة يتمسّح بها أيضا ناس وظيفتهم التمسّح والتذلّل وطلب الرضا بأي شكل من الأشكال..وأما ما ينفع الناس فيذهب جفاء.. فلتذهب الدولة الأمة وأنظمة المؤسسات إلى الجحيم..و يحيى التمسّح والتذلل و"اخطيكم من النقد والرفض والمقاومة".. !