كيف هو واقع أدب الطفل في العالم العربي؟ وهل يركز من يكتب للطفل على القيم الجمالية والتربوية في النص ولماذا لم تعد الكتابة الموجهة للطفل في المستوى الذي تلبي فيه احتياجات الطفل كما ينظر لها المختصون في التربية وعلم النفس؟ ..طرحنا هذه التساؤلات على بعض المهتمين بأدب الطفل فكانت إجاباتهم كالتالي : الكاتب المصري حسن غريب إن الاحتفال بأدب الطفل يجب أن يسمو في هدفه الأول على كل الأطماع القريبة، فالهدف الأساسي يجب أن ينطلق من غاية تربوية تعليمية ثقافية، لأن أدب الطفل يجب أن ينهض به المبدعون المؤهلون الذين يقبلون عليه بوعي وحب وإخلاص ورغبة في خدمة الطفل يحركهم دافع فني قوي في العيش في عالمه وفق الأسس التربوية الثقافية الأخلاقية وإذا كان كتّاب الطفل يجب أن يكونوا مهيئين للكتابة وفق الشروط التي ذكرنا سابقاً، فإن ثمة علاقة قوية بين أدب الطفل وعملية القراءة نفسها؛ فحب الطفل للقراءة ينشأ من سنواته الأولى قبل أن يقرأ فعلياً، فالأم أو الأب أو المربية أو المعلمة حين تقرأ على الطفل من كتاب، أو تروي عليه شفاهياً يظل معلقاً بالمصدر شغوفاً بأن يتمكن هو نفسه من قراءة ما فيه في قابل الأيام فعلى المربين ألا يفوتوا هذه الفرصة النادرة التي تضع الطفل على خريطة القراءة الدائمة، والتي أصبحنا نرى لها مبادرات جادّة مخلصة في وطننا العربي، فعلينا جميعا أن نتفاعل مع هذه المبادرات، وأن نتجه مدفوعين بحبنا للأطفال ووعينا بأهمية تربيتهم على حب الكتاب والقراءة إلى جعل القراءة الذاتية جزءاً أساسياً من شخصية الطفل، لا تفارقه ولا يفارقها حتى آخر العمر. من المهم أن ينشأ الطفل على مصاحبة الكتاب فيكون صديقاً للكتاب منذ سن مبكرة، ولاسيما الكتاب الأدبي، ولعل أفضل كتب الإبداع الأدبي هي القصة التي تمنح الطفل التنمية الحقيقية الواسعة في شتى الأبعاد لأنها الأقدر على استيعاب مجالات المعرفة المختلفة، ولأنها الأكثر استيعاباً للحقول التعبيرية والدلالية المختلفة. فالطفل الذي يصبح صديقاً للرواية أو القصة أو المسرحية منذ سنيه الأولى يراكم المعارف وينمي اللغة نحوها وصرفها ومعجمها ودلالاتها، ويبرع في القراءة الصحيحة ويتمكن من تنمية مهاراتها المختلفة، فيصبح نموذجاً جيداً لمكتسب اللغة، ويقلل من المبالغ الضخمة التي تنفق على تعلم اللغة الصحيحة دون طائل أحياناً كثيرة. إن القصة، على الرغم من أنها وسيلة تربية وتسلية وإمتاع، تصبح هنا وسيلة أساسية لتعويد التلميذ على القراءة بمفهومها العام أي في كل الحقول والمعارف، فقراءة القصة ليست مهمة لذاتها وحسب، ولكنها مهمة لتعويد الطفل على القراءة من المهد إلى اللحد. وتبدو قيمة القصص المتقنة، فوق ما فيها من قيم جمالية، في تعويد الطفل على القراءة السليمة نحوياً وصرفيا، لأنها تعنى بضبط أحرف الكلمة بنية وإعراباً، مما يسهل على الطفل أن يستوعب بنية الكلمة وأن ينطقها نطقاً سليماً، وأن يتعرف معاني الكلمات. وهناك أمر آخر من وراء قراءة الأعمال الأدبية، ولاسيما الفنون السردية، هو إقرار الأطفال على محاولة الكتابة المبكرة، خاصة الكتابة الإبداعية، فالهيئات التي تشرف على أمور التربية تبذل وقتاً طويلاً في المراحل المختلفة لإصلاح ما جرى عليه التلاميذ من معارف ومهارات لغوية خاطئة تتصل بكل العلوم والمعارف، ولو أنهم تنبهوا على ما في هذا الأمر من فائدة محققة لوجهوا جهودهم المخلصة في هذا الاتجاه الذي يلبي الحاجات اللغوية الأساسية للمتعلم في مراحل حياته كلها. فقراءة القصص والفنون السردية المختلفة تجذب الطفل، بما تتضمنه من عناصر جاذبة وتشويق ومغامرات وطرائف، إلى عالم الكتاب، وتغريه بأن يتجه إلى محاولة كشف أسراره، فتقوده طوعا إلى محاكاتها والبناء على نمطها، والرغبة في أن يكون له كتابه الخاص الذي يمارس فيه الكتابة راغبا حرا مستمتعا. الأديبة جميلة زنير عندما اطلعت على بعض الأعمال الموجهة للطفل المودعة في إطار مشروع 2008 الذي ترعاه وزارة الثقافة اكتشفت الكثير من الأخطاء في النحو والصرف والإملاء،كما أن نهاية هذه القصص غالبا ما تكون نهاية مأساوية وعنيفة بينما يريد الطفل لبطل القصة أن يعيش ، وقد اشترطت على أصحاب هذه الأعمال تغيير نهايتها قبل أن تأخذ اللجنة قرارا بطبعها ،النهايات العنيفة وللأسف موجودة في قصصنا رغم أن الطفل يرفضها وهنا أشير إلى أنني ختمت قصة الصرصور المتجول بالعبارة التالية " أخذته السيول إلى الماء فهل ستعيده إلى الساحل ليبدأ حياته بشكل آخر غير حياة الكسل" . فإذا تعلم الطفل أشياء سيجد صعوبة كبيرة في مسحها من ذهنه وكما يقول المثل " العلم في الصغر كالنقش على الحجر " ويجب أن تتوفر جملة من الشروط فيمن يكتب للطفل كان يكون على تواصل دائم مع الأطفال ، فأنا بدأت التدريس عام 1968 ولم أكتب للطفل إلا عام 1984كتبت أول قصة وقرأتها على تلاميذي ولم أخبرهم أنني صاحبة النص حتى يعطوني الملاحظات الصحيحة وكنت أطلب منهم أن يبدلوا لي العناوين . الكاتب اللبناني طارق البكري لا أعتقد أنه يمكن طرح الموضوع من هذه الزاوية لأسباب عدة؛ فأدب الطفل فيه تفاوت مثل أي عمل إنساني، وهناك تجارب على امتداد العالم العربي، دون ذكر الإنتاج الغربي الغزير.. ولكي لا نبتعد كثيراً.. فإن أدب الطفل المعاصر في العالم العربي يحتاج إلى دعم كبير، وهذا الدعم مفقود تماماً، ولا يمكن لكاتب متخصص في أدب الطفل أن يتفرغ لعمله. فعندما تقام مؤتمرات خاصة بالطفولة وعالمها وأدبها وإعلامها وثقافتها.. يتحدث المتحدثون جميعهم بحماس شديد بشأن الطفولة وعالمها، ونجد الكل يطالب بما يمس الطفولة بطرف.. ونقرأ أبحاثاً ودراسات ونسمع نقاشات، وفي النهاية يكون هناك اعتراف بأن عالم الطفولة العربية ينقصه الكثير وأن الطفولة في دولنا لم تنل ما تستحق من رعاية وعناية، ولطالما يتهم بعضنا بعضاً بأنّ ما يقدم للطفل لا يرقى إلى مستوى رفيع منشود، فهل تفضل أحد وسأل عن الأسباب؟!وعما إذا كان هناك متخصصون حقيقيون مؤهلون دراسياً ومدربون عملياً في تخصصاتهم؟ صحيح أنّ لدينا تجارب ناجحة، لكنها بالفعل تجارب قليلة وأصحابها ربما لم يدرس معظمهم الطفولة وعالمها، لكنهم وجدوا أنفسهم في هذا المجال الرحب، ربما بالصدفة وربما عن سابق تصميم، وقد ينسحبون بعد حين أو يتخذونها هواية (أو ربما هزواً)، لأن العمل في مجال الأطفال لا يسمن ولا يغني من جوع... وطبعاً هنا نتحدث عن عالمنا العربي وهناك نكتة مشهورة تقول: لماذا هذا الطبيب متخصص في طب الأطفال؟ - لأنه لم يملك مالاً ليكمل دراسته... وهذا هو أسلوبنا عموماً في التعامل مع الطفولة وعالمها والمتخصصين بها، ولطالما عانيت شخصياً من العمل في مجال أدب الطفل وإعلام الطفل، فلا يوجد هناك حقيقة من يقدر هذا العمل إلا ندرة قليلة من الناس، كما أنّ عليك أن تعمل في مجالات أخرى مختلفة لكي تضمن لنفسك حدا أدنى من العيش الكريم، ولكي تتمكن من تعليم أطفالك تعليماً جيداً أما أن نظل نكرر المشكلة عاماً بعد عام، وهي بالتأكيد تكبر ولا تصغر، فسوف لن نبقى في مكاننا فقط بل سنتراجع؛ لأنّنا لم نقدم للطفولة سوى الكلام والأحلام، بينما الأفعال في سبات عميق، ولم تنعكس أدبيات الصحوة الثقافية والفكرية وتطورها على أدب الطفل ودوريات الأطفال ووسائط الإعلام المختلفة، خاصة مع ثورة الفضائيات، سعياً نحو بناء الشخصية السوية للطفل، وسرعان ما اكتشفنا أن كثيراً من هذه الوسائل التي دخلت إلى السوق وكثيراً من وسائل إعلام الطفل في بلادنا العربية تفتقر إلى الكفاءة والمهنية،والإقبال على أدب الأطفال المقروء ليس هو بالمستوى المأمول, ومرجع ذلك لأسباب عديدة منها: مزاحمة القنوات الفضائية وألعاب الأطفال الإلكترونية واستحواذها على وقت الطفل, فالطفل اليوم أسير للقنوات الفضائية، وبعضها تحكم السيطرة عليه حتى استحال بعده عن الشاشة, فألعابه ومأكله ومشربه من منتجات القناة،ومن الأسباب كذلك عدم تربية الأطفال على القراءة والتعلق بالكتاب أو المجلة, وهذه مشكلة ينبغي أن تتضافر الجهود لحلها ما بين ركني التربية الأساسيين: المدرسة والمنزل والحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن بعض المطبوعات الخاصة بالطفل دخلت بفكر وتنظير تربوي فكري، فيه نوع من الترف، وتفتقد المهنية والكفاءة لكن مع مرور الأيام كان لا بد لها من الاتجاه إلى المهنية والكفاءة مع الاحتفاظ بالفكر والتنظير القيمي المطلوب. االقاص نبيل دحماني يذهب العديد من الدارسين والمهتمين بأدب الطفل إلى إن الكتابة للطفل هي من أخطر أنواع الكتابة نتيجة لما قد يترتب على المجازفة في الكتابة للطفل من أثر سلبيّ. بفعل خصوصيّة المتلقّي (الطفل). كإنسان في طور التكوين الأول على مختلف الأصعدة؛ جسماً، وعقلاً، ونفساً، ووجداناً، ولغةً، وتكيُّفاً اجتماعياً.. وهذا الطور هو طور التفتّح الذي يُبرز القابليات والاستعدادات لدى أطفالنا، ويُبزغ براعم المواهب والملكات لديهم طبعا في سياقات ذلك، وهو ما يؤسّس لكلّ ما سيكون عليه هذا الطفل في أطوار تكوينه الأخرى التي ستعقب تكوينه الأول. نتيجة لكل ما يتصل بالتعامل مع هذا الطور في البيت، والشارع، والمدرسة، وشاشة التلفاز، والمجلّة، والكتاب. وغيرها من التقاطعات والتمفصلات التي تتشكل في خضمها بانوراما حياة الطفل وعالمه كواقع يتكيف معه بشكل تدرجي، وكحلم يطمح إليه تخيلا ومحاكاة لما يجول في فلك اهتمامه الصبياني والطفولي. لذلك فالكتابة الإبداعية بشكلها الورقي أو المستلهمة في أشكال أخرى كالرسوم المتحركة والألعاب الالكترونية والأغاني الملحنة والمؤداة ينبغي أن يراعى فيها جملة من الاعتبارات لعل أهمها حسب تحليل جاسم محمد صالح أن الطفل في الوهلة الأولى بعد تعلّمه القراءة والكتابة يكون متشوّقاً جداً إلى ولوج عالم القصص والمحفوظات كالأناشيد بوسيلة امتلكها حديثاً هي مقدرته على القراءة، وبالتالي لابد من حثه وتشجيعه على تنمية هذه الملكة من خلال الامداده بما يتناسب مع سنه وميوله ومقدرات استعابه، ومتابعة كيفية تعاطيه مع ذلك حتى يتسنى مساعدته وتوجيهه إن تطلب الأمر ذلك. أما الذي يكتب للطفل أو يقدم على تقديم عمل فني في أي شكل من أشكال الممكنة يشير جاسم محمد صالح إلى انه يفترض أن يكون ملما بالمفاهيم التربوية التي تعمل على بناء الطفل وترسيخ بنيانه وجعله عضوا فعالا في المجتمع وأن يكون له احتكاك مباشر بالأطفال منخرطا في مجال التربية على مستوى الواقع التطبيقي، حتى يعرف آفاق الخارطة اللغوية والمعرفية للأطفال والتي تتناسب حقيقة مع أعمارهم ومستوياتهم الدراسية والثقافية وميولاتهم الذهنية والإبداعية. حتى تكون كتاباته مقبولة ومفهومة.