صدرت إذن مذكرة توقيف من قبل المحكمة الجنائية الدولية في حق الرئيس السوداني عمر البشير، الذي يتهمه مدعي هذه الهيئة بارتكاب جرائم ضد الانسانية وإبادة في إقليم دارفور. وبذلك فإن مذكرة التوقيف هذه تعد الأولى من نوعها التي تصدر بحق رئيس دولة منذ بدء مهام هذه المحكمة في العام 2002. وبحسب المدعي العام للمحكمة فإن لديه نحو 100 شاهد في ارتكاب " البشير " جرائم حرب في دارفور. 100 شاهد فقط ، لسنا ندري في أي مرتبة من مراتب شهادة الزور نصنفها ، حركت مذكرة توقيف في حق رئيس دولة، بينما ملايين الشهود في الجرائم الحربية التي ارتكبها قادة إسرائيل في غزة، وجنوب لبنان، لم يشاهدها المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية. هذا يكفي لإدانة المحكمة بدل إدانة الرئيس عمر البشير. وهذا يكفي لحمل الحكام العرب ، لأنني أجزم أن الشعوب العربية كلها مع البشير ، قلت يكفي لحمل الحكام العرب على الدفاع عن البشير ورفض قرارات المحكمة الدولية. الحكام العرب سمحوا لأمريكا باحتلال العراق وبدعم من بعضهم، سواء أكان الدعم عسكريا أو سياسيا أو إعلاميا أو حتى بتمويل الحرب، وسمحوا باعتقال الرئيس الشهيد صدام حسين ومحاكمته تعسفيا وشنقه يوم عيد أضحى، وكان بعضهم من المحرضين على العدوان الصهيوني على جنوب لبنان عام 2006 ، وكان كثير منهم مؤيد للعدوان الصهيوني على غزة عام 2009 ، ولم يحركوا ساكنا لاحتلال الصومال من قبل دولة جارة ، والصومال عضو في الجامعة العربية، وكان بعض الحكام العرب من مؤيدي المحكمة الدولية في اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري عام 2002 ، التي بدأت في لاهاي .. محكمة لم تعلن حتى عن أسماء الشخصيات المتهمة في ارتكاب الجريمة. الحكام العرب لم يحركوا ساكنا يوم أمس فقط عندما أعلنت إسرائيل عن توسيع المستوطنات وهدم بيوت فلسطينية لتهويد القدس، بينما أقاموا الدنيا ضد " انتصار حماس " على جحافل الصهيونية. واليوم – إلى غاية كتابة المقال - لم أقرأ ولم أسمع أي تصريح لمسؤول عربي يرفض قرار المحكمة الجنائية الدولية في حق البشير. ألا يعلم الحكام العرب جميعا ، أن مصيرهم سيكون نفس مصير صدام ونفس مصير البشير في أحسين الحالات .. وربما يكون مصيرهم أسوأ من ذلك في حال بلغ احتقان الشارع العربي حدا لا يطاق.. إن مذكرة التوقيف في حق البشير، هي في الأصل مذكرة توقيف " أمة " بأكملها .. مذكرة توقيف جميع الحكام العرب .. ومستقبلا سيعجز أي حاكم عربي عن " تسيير " أي أزمة داخلية، لأنه في حال تمكن المحكمة من البشير، سيصبح جميعهم في مرمى التسديد . بل يكفي تقرير من وزارة الخارجية الأمريكية، أو من منظمة دولية غير حكومية لحقوق الإنسان .. لكي تتحرك هذه المحكمة أو تلك في حق هذا الرئيس العربي أو ذاك. أنا صراحة رغم كل مساوئ الحكام العرب التي يعرفها الشعب العربي من أقصاه إلى أدناه ، لن أرضى لأي حاكم عربي أن يحاكم بهذه الطرق التعسفية، تصبح معها محاكمة منتظر الزيدي للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أشرف من محكمة لاهاي أو المحكمة الجنائية الدولية. إن محكمة الإحتلال الأمريكي حاكمت الرئيس الراحل صدام حسين، ومحكمة لاهاي تحاكم " مسؤولين لبنانيين " والمحكم الجنائية الدولية تحاكم البشير .. وحكام العرب جميعا سيحاكمهم التاريخ .. التاريخ وحده يحكم لهم أو عليهم. إن البشير هو آخر امتحان للأمة ولحكامها .. فالبشير .. البشير .. يا حكام الأمة بالشرعية أو بالمشروعية.