خص الرئيس بوتفليقة الصحافة الجزائرية بجزء يسير في خطابه الموجه للأمة بمناسبة أداءه اليمين الدستورية، ويوضح ذلك الجزء جانبا من فلسفة الرجل تجاه الصحافة، حيث أكد أن حرية الصحافة ستحظى بالإحترام . وهذا عين الصواب، لأنها أولا جزء من الديمقراطية، وهذا يعني أن الديمقراطية والصحافة وجهان لعملة واحدة، فالصحافة لا يمكن أن تنمو وتعيش إلا بوجود ديمقراطية حقيقية وحرية حقيقية، أما ديمقراطية الواجهة، أو اللاديمقراطية هي البيئة المثالية لضمور المهنية والإحترافية في العمل الإعلامي. وفي الوقت ذاته فإن الديمقراطية نفسها لا تتنفس إلا بوجود صحافة متعددة ومتنوعة تتيح لجميع الحساسيات بالتعبير الحر وتمكنهم من الوصول إلى الجماهير من المواطنين. والحقيقة أن الصحافة لا يمكنها كذلك أن تضطلع بهذا الدور بدون اهتمام لائق برجل المهنة سواء من الناحية الإجتماعية أو من ناحية التكوين، وحتى من ناحية الرسكلة. أما الشق الثاني الخاص بالصحافة في فلسفة بوتفليقة، هو الزج بها في محاربة الرشوة والفساد، وجعلها وسيلة في يد الرئيس ، في هذه الحرب الصعبة التي أرادها في عهدته الجديدة. والحقيقة أيضا، أن محاربة الرشوة والفساد هي واحدة من مهمات الصحافة، فالصحافة يتعين عليها فعلا كشف الفساد، وفضح المتسببين فيه، لذلك يطلق عليها نظريا أنها تقوم بدور " كلب حراسة " .. والحقيقة الأخرى المرتبطة بهذا الموضوع، أن القيام بهذه المهمة لا يكتب له النجاح التام، إلا في ظل وجود قضاء قوي ومستقل يوفر الحماية للصحافي من تعسف اللوبيات ومافيا الفساد والرشوة. وربما لذلك ومباشرة بعد الحديث عن الصحافة، تطرق بوتفليقة للعدالة وقال أنه يتعين عليها القيام بمهمتها على وجه أوفى. والرئيس بوتفليقة لم يخف دور الدولة في تعزيز حرية الصحافة وتطور المهنة وتسهيل مهام الصحافي، وهذه القضية أيضا، بحاجة إلى تفعيل جملة من الميكانزمات، ذات الصلة، مثل تحرير سوق الإعلانات ، ومنح التراخيص، وعدم سجن الصحفي، وغيرها من الآليات الأخرى. إن الصحافة هي سلطة رابعة فعلا، يرى بعض المنظرين أنها قائمة بذاتها ومستقلة، ويرى آخرون أنها سلطة في يد السلطة الأولى، وهي اليوم تشهد تحولات جذرية، فمع ظهور الإعلام البديل، عبر الأنترنيت، كالمدونات الشخصية، ومواقع الفايس بوك، والفلايكر، والماي سبايس، واليوتيوب وغيرها كثير، تصبح المعلومات تتنقل بدون الحاجة إلى الصحافة التقليدية، وإذا لم تتمكن هذه الصحافة التقليدية من كسب مصداقية لدى الجماهير ثم المحافظة على هذه المصداقية، فإنها تصبح مجرد إسم لا يسمن ولا يغني عن جوع. فالتكنولوجيا تحتم البوم على الدولة تعزيز حرية الصحافة حتى لا تفلت منها الأمور.