المدينة المفاجأة التي تعترض قسوة الطريق القاحل، وتحفر لك مطب نجدة متعدد الاحتمالات، فهي تجمع بين الواحة والعرق الصحراوي والسلسلة الجبلية البركانية.. وكذا الوقوع في العشق• تاغيت•• والبدء من زوزفانا زوزفانا، هو اسم الوادي الذي يحاذي الجبل من الجهة الغربية للمدينة•• وربما هو الأقدم على الاطلاق•• غير أن الحكاية تقول إن المرابط سيدي أحمد من اولاد عمارة هو الذي شيد القصر العتيق لمدينة تاغيت•• وتاغيت قد تعني في اللغة المحلية لبني قومي السكان الأصليون.. الصخرة، كما يمكن أن تفسر بكلمة أغيل وتعني المكان الضيق بين الصحراء والجبل•• هذا بالإضافة إلى الرواية التي تقول إنها مشتقة من كلمة "إغاثة" نسبة للزاهد العربي الذي ضاع في الصحراء وعندما وصل الى المدينة شكلت له "إغاثة"• وبما أن "الأسامي أسامينا والدروب اللي عليها مشينا" كان القصر العتيق لتاغيت أول فتحة لنا لرائحة الزمن المتواطىء مع الطين•• وهنا يجب أن نوضح أن القصور هي عبارة عن حصون بكامل مرافقها جمعت كل سكان مدينة تاغيت في ذلك الزمن•• غرف لا تتعدى مساحة أربعة أمتار وأزقة ضيقة جداً ونوافذ بطول الستين سنتيمتر•• وتقسيم اجتماعي يضمن للمقدم أوالشيخ مكانا أوسع وفضاءات للاستقبال•• ولكن الجميع يعيش في تماسك تماما، كما تتماسك تلك المواد الاولية المكونة من الطين والتبن والغبار وجذوع النخل لعدد من القرون•••ومع نهاية الثمانينات غادر الجميع وصار القصر وحيداً• يردد الكثير من السواح على أسماع المرشدين السياحيين العبارة التالية: " لا نريد المبيت في الفندق فنحن نملك بيوتا فيها من الرفاهية ما لا يوجد في هذا الفندق، لذا المبيت في القصر العتيق هو رغبتنا الحقيقية".. وهذا ما يفسر وجود عدد كبير من الشباب في القصر يحاولون كل يوم ترميم أجزاءه من أجل خلق رؤية سياحية هي مطلوبة بالأساس.. حيث يتراوح سعر المبيت في القصر لليلة الواحدة حوالي 700 دج فيما تتعدى الليلة بالفندق 2000 دج، وهنا يؤكد الشاب مروان التاغيتي أنه يرفض الترميم الذي تقوم به وزارة الثقافة الذي لا يحترم إطلاقاً المقايسس المحلية والخاصة بأصالة المواد الأولية.. ولذا يريد إنجاز الترميم بنفسه• أكثر من 1700 سائح أجنبي و29411 محلي الخروج من القصر العتيق عيون للإسمنت•• غير أنها المدينة، صغيرة جداً ومتناسقة في حريتها لدرجة أنك تتخيلها بالكامل مركباً سياحياً فهي تضم 6477 نسمة يعمل غالبيتم في قطاع السياحة المتوزع بين القطاع العام من خلال الفندق الوحيد والذي يحوي 50 غرفة، وكذا القطاع الخاص الذي يرتب مواسمه الشباب عبر مرافقة السواح. والملاحظ أن سكان المدينة متفتحون جدا نظرا لاحتكاكهم المتواصل مع الأجانب والذي بلغ عددهم من بداية شهر سبتمبر 2008 إلى ال31 من جانفي 2009 حوالي 1729 سائحا أجنبيا و29411 سائحا محليا• يقول السيد ناظور، رئيس بلدية تاغيت، إن سر تاغيت هي الكثبان الرملية العالية جداً حيث يبلغ علوها 800 متر، وهي من أكبر الكثبان في العالم•• أما الطفلة الصغيرة سعيدة، فتقول عن مكانها المفضل للتزحلق كل مساء بعد انتهاء الدوام الدراسي.. إنه مكان اللعب الوحيد الذي لا ضرر فيه فالرمل "حنين"•• وفعلاً الرمل هنا يحمل خصوصية الحنان بصورة كبيرة•• فهو يطوق السماء في عناق مثير•• تاغيت•• قبل 10000 سنة•• بعد صعود الكثبان الرملية، والتي سنعود إليها لأنها الديكور الأساسي هنا في تاغيت، توجهنا إلى الزاوية التحتانية والتي تبعد عن تاغيت ب18 كلم من أجل رؤية النقوس الحجرية التي خلفها الانسان الأول منذ أكثر من 10000 سنة•• ربما التوقان الذي صاحبنا طوال الطريق جعلنا أكثر رغبة في رؤية هذه النقوش، ولكن الطريق كان صعبا جدا نتيجة لمخلفات الفيضانات التي شهدتها المنطقة في أكتوبر 2008 •• فكان منظر النخيل وهو ممدد على الأرض يوحي بقسوة الأمر.. حيث يقول شيوخ المنطقة إن المدينة لم تشهد هذا الأمر منذ أكثر من خمسين سنة•• في حين يتأسف الفلاحون لموسم أبيض للتمور•• كما تعاني الطرقات من تصدع كبير، خاصة أن المدينة نقطة هامة لعبور دولي• وأخيراً وصلنا إلى الانسان الأول بعد أن واصلنا المسافة سيراً على الأرجل رفقة السيدة سليمة شاوش، وهي مهندسة معمارية مكلفة باعداد دراسة عن وضعية هذه النفوش لحساب وزارة الثقافة•• - هذه الجبال بركانية والإنسان الأول استعمل الحجر من أجل رسم هذه النقوش التي تعود إلى الحقبة النيولوتيكية•• تقول سليمة، ثم تشير بيدها•• هذه نعامة وهذه زرافة وهذة غزالة وهذه صورة نادرة لرجل•• قد تتملكك حالة من الذهول والشعور بالانتماء أمام هذه النقوش الموغلة في حقيقة الانسانية، وهي تحاول تأكيد وجودها والتعبير عن ذاتها•• ولكن سليمة شاوش تخطفك من كل هذا وهي تتذمر من الوضعية المزية التي حالت إليها هذه النقوش•• فالمكان غير مصنف كحظيرة محمية لحد الآن رغم أهميته البالغة، ناهيك عن السرقة التي يتسبب فيها الأجانب نتيجة للسياحة غير المقننة وللحرية المطلقة التي يتمتع بها السائح• تؤكد سليمة أن لوحات كاملة من هذه النقوش سرقت والآثار تكشف عن ذلك، كما ترجع سبب هذا الضياع إلى عدم إدراك سكان المنطقة لقيمة هذه النقوش الحجرية•