* أبي يمتلك محلا أجّره لي، في آخر كل شهر أعطيه الإيجار المتفق عليه، لكنه لا يعطيني ما يدل على تسلمه له مني، وكلما كلمته في ذلك رد علي قائلا: لا تنس أنك ابني وأني أبوك، ثم طالبني بمبلغ من المال ليس بواجب عليَّ أن أدفعه له، فلما اعتذرت هددني بكسر باب المحل واستيلائه عليه• فهل لو ادعيت عليه أنه كان بالمحل كذا وكذا، وأنه بدده وضيعه أكون عاقا له، أم أقابل ظلمه لي، بعدل مني في قولي وفعلي معه؟• = إن الذي فعله أبوك لا يجيز لك أيها الأخ الكريم أن تقابل فعله بالعقوق، وعليك أن تقابل إساءته بالإحسان وتتقي الله فيه، والأولى بك أن تدخل أقرب الناس إليكما من أهل الصلاح والإصلاح كي يصلحوا بينكما ويحلوا هذه المشكلة. وإن كان الأب لجأ إلى ذلك بسبب حاجته إلى المال فعليك أن تجتهد في توفير ما يحتاجه من مال وتعطيه له محتسبا ذلك عند الله تعالى، فإذا فعلت فأبشر بالخير والعوض من الله تعالى• فالحق أحق أن يتبع فلا يحملنك يا فتى ظلم أبيك لك، وقسوته عليك كما تزعم في رسالتك على أن تنقلب من مظلوم كما تدعي إلى ظالم يعق أباه، ويلصق به تهمة التبديد والتضييع، واستلاب حقوق الغير عمدا وجورا، فالله تعالى يقول:"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"• وهذا بشأن الغرباء الأعداء أمرنا بالعدل في معاملتهم قولا وعملا، وحل المشاكل، وفض المنازعات، فكيف بالوالد الذي ربَّى ولده، وحفظه وتعهده، وأفاض عليه من تحنانه، ومن وارف حنانه، حتى بلغ سعى الحياة، فأجره دكانه، ليعمل فيه ويجد ويسعى ويجتهد. لا شك أن هذا الوالد جدير بالعدل معه، بل وبالتسامح معه، بل وبالتجاوز عما يبدو منه، من تشدد مع ولده، وفلذة كبده، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من برّ والديه طوبى له زاد الله في عمره" رواه أبو يعلى، والطبراني والحاكم، وقال الحاكم: صحيح الإسناد• وعلى هذا فواجب عليك أيها السائل أن تبادر بتحكيم أهل العقل والحكمة فيما شجر بينك وبين أبيك، من خلاف حول مسائل مادية، ومشاكل عائلية، فإنهم بتفهمهم وحكمتهم سيحلون عقد الإشكال، ويفضون اشتباك الآراء والرغبات، ويعيدون للنفوس صفاءها وللقلوب رضاءها، فلا يكون ادعاء ظالم منك لأبيك، ولا جور من أبيك واقع عليك، واجعل نصب عينيك قوله صلى الله عليه وسلم: "بروا آباءكم تبركم أبناؤكم" رواه الطبراني بإسناد حسن • والله أعلم•