من دلائل القرآن الكريم على الاهتمام بالبيئة: أن نجد عددا من سوره يسمى بأسماء للحيوانات والحشرات وبعض النباتات والمعادن، وبعض الظواهر الطبيعية. فنجد من أسماء السور: سورة البقرة، وسورة الأنعام، وسورة الفيل، وسورة العاديات وهي الخيل، وكلها من الحيوانات. ونجد سورة النحل، وسورة النمل، وسورة العنكبوت، وكلها من الحشرات. وهذا ما جعل المشركين أو اليهود يعجبون من ذلك ويقولون: أي قدر للذباب وللعنكبوت، حتى يضرب الله بهما الأمثال؟! . ورد القرآن عليهم بقوله: "إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها" البقرة:26 . وأراد بما فوقها: أي في الضعف والهوان. ولهذا فسره بعضهم بقوله: أي ما دونها. ونجد في القرآن سورة التين، وهو من النباتات، وسورة الحديد، وهو من المعادن. ونجد سورة الرعد، وهو من الظواهر الطبيعية، وسورة الذاريات، وهي الرياح التي تذرو الأشياء. وسورة النجم، وقد أقسم الله به إذا هوى، وسورة الفجر، وسورة الشمس، وسورة الليل، وسورة الضحى، وسورة العصر، وكلها ظواهر طبيعية. ونجد سورة الطور، وهو يعني الجبل مطلقا أو جبلا معينا، وسورة البلد، والمراد به مكة البلد الحرام، وسورة الأحقاف، وهي في الجزيرة العربية، وكلها أماكن. فهذه التسميات للسور القرآنية لها دلالاتها وإيحاؤها في نفس الإنسان المسلم، وربطه بالبيئة من حوله، بحيث لا يكون في عزلة أو غفلة عنها. والأحاديث النبوية تؤكد هذا الأمر، وتزيد على ما في القرآن بما ورد فيها من الأوامر النبوية، والتوجيهات المحمدية بالغرس والزرع في جملة من الأحاديث الصحاح. منها: ما رواه الشيخان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يغرس غرسا ، أو يزرع زرعا ، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة ". وروى مسلم عن جابر مرفوعا: "ما من مسلم يغرس غرسا، إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة، ولا يرزأه أحد (أي لا ينقصه ويأخذ منه) إلا كان له صدقة ." ومما يلفت النظر هنا: أن تكتب الصدقة والمثوبة للغارس والزارع، على ما أخذ من زرعه وثمره، وإن لم تكن له فيه نية، لمجرد اتجاهه إلى الغرس والزرع، فكل ما يستفاد منه لكائن حي له فيه ثواب. وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول: " من نصب شجرة، فصبر على حفظها، والقيام عليها حتى تثمر، فإن له في كل شئ يصاب من ثمرها صدقة عند الله عز وجل". فهذه عناية الصحابة بالغرس والتشجير، بفضل هذه التوجيهات القرآنية والنبوية التي حفزتهم إلى أن يخضروا الأرض، ويجعلوا منها حدائق ذات بهجة، تنبت من كل زوج بهيج. ولقد بين لنا العلم الحديث: أن التشجير له فوائد أخرى غير ما عرفه الناس قديما من الثمر والظل وتخفيف الحرارة وغيرها مثل المساعدة في حفظ التوازن البيئي، وامتصاص الضوضاء، ومقاومة الآثار الضارة للتصنيع على البيئة، أو التخفيف منها على الأقل.