وحملت عديد النساء مشعل من صنعن انتصار الثورة من شهيدات ومجاهدات هن اليوم في أعلى مراتب مؤسسات نظامية. بالرغم من صعوبة المهام العسكرية وشبه العسكرية بالنسبة للمرأة، غير أنها تُمارسها اليوم ضمن مؤسسات الدولة بنجاح لم يكن متوقعا، بل فاق أداء النساء أحيانا زملاءهن الرجال في الميدان. فقد سجل السلك العسكري في الثمانينيات أول امرأة عملت ولاتزال تعمل في أجهزة الدرك والشرطة والجمارك وحتى ضمن قيادات القوات البرية والجوية والبحرية، خاصة في الإدارة. وللالتحاق بالأجهزة العسكرية وشبه العسكرية، يجب توفر بعض الشروط، فعلى المرأة أن تكون متحصلة على شهادة جامعية (ليسانس، ماجستير أو مهندس دولة)، بالإضافة إلى لياقة بدنية عالية وحسن السيرة، ويكون تكوين الإناث مثل تكوين الذكور، تكوين عسكري وداخلي بالمدارس العليا لتلك المؤسسات الأمنية. وهيبة فلفل الملازم الأول في الدرك السيدة سميرة بلحاج ل "الفجر" "حبي للانضباط جعل التحاقي بالسلك العسكري هدف حياتي" تجيد طهي "الشخشوخة" وماهرة في استعمال السلاح من بين مُتخرجي الدفعة الأولى لسنة 2002 من جهاز الدرك الوطني، الملازم الأول سميرة بلحاج من إحدى ولايات غرب البلاد التي تخرجت في 2005 من بين 18 ضابطة، تحدثت ل "الفجر" عن تجربتها في الجهاز وهي التي قالت لنا "كان لدي الحظ في الانضمام إلى هذا الجهاز، خاصة وأنها الدفعة الأولى". كشفت الملازم الأول، سميرة بلحاج، أن فكرة الانضمام إلى صفوف الدرك الوطني صعبة ولكنها تجربة ناجحة، مشيرة إلى أن الفضل يعود للإعلان التي رأته في الجريدة والمتعلق بتكوين إناث في السلاح العسكري، الدفعة الأولى. وما شجعها على الانضمام هو اهتماماتها بالسلك العسكري بصفة عامة، وباعتبار جهاز الدرك سلاحا معروفا بالانضباط ولديه مكانة بين مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى أنه حلم راودها منذ الصغر وهاهو الآن يتحقق بفضل الدرك الوطني. تعمل حاليا مكلفة بالإتصال، تقوم بنشاط يومي حول إعداد المعلومة التي تقدم إلى الصحافة الوطنية، مثل إعداد الدراسات حول الظواهر الإجتماعية الخطيرة في المجتمع من خلال إحصائيات تقدمها الدرك الوطني كالانتحار، التزوير، سرقة السيارات وغيرها وكذلك الإعداد والمشاركة في إعداد محليين في الدرك الوطني. وأوضحت المتحدثة أنها لاقت صعوبة مع أهلها في بداية الأمر، فقد كان رأيهم بين الرفض والقبول، رفضهم كان بدافع الخوف على ابنتهم عند دخولها إلى هذا المجال، مشيرة إلى أنه بعد مدة أقنعتهم بالفكرة وأصبحوا من مشجعيها وفخورين بها، كانت هناك أطراف من العائلة رافضة الفكرة، لكن رأيهم لم يؤثر على مشوارها العملي في الدرك الوطني. وأكدت السيدة بلحاج أنها لم تلق أية صعوبة في حياتها العملية والشخصية خاصة بعد زواجها "أنا محظوظة لأنني تزوجت من زميل لي في نفس السلاح، برتبة ملازم أول"، مشيرة إلى أن زوجها من أكثر مشجعيها على مواصلة العمل، حيث أكدت على أنهما تفاهما قبل الزواج على طريقة المعيشة حتى لا يقعا في صراع. أفادت السيدة سميرة بلحاج أن الأمر يتوقف على ذكاء المرأة في كيفية تنظيم وقتها وحياتها، مشيرة أنها بمجرد دخولها إلى المنزل تترك وراءها كل مشاغل العمل وتمارس حياتها بشكل طبيعي، فهي تجيد طهي "الشخشوخة" وأطباق تقليدية أخرى وتعمل على راحة زوجها وابنتها الوحيدة، بعد عودتها من العمل تصحب ابنتها من روضة الأطفال ثم تدخل إلى المنزل وتبدأ بتنظيف كل أدراجه وطهي العشاء، كأي سيدة منزل لابد أن يكون المنزل مرتبا والأكل جاهزا قبل وصول الزوج. وهيبة فلفل بين الصرامة والجدية والطيبة والتواضع غماري ليندة أو الأنثى التي كافحت الإرهاب في عز سنوات الجمر تعشق طبخ "الدوارة" وتهوى ممارسة كرة السلة غماري ليندة، اسم صنعه سلك الأمن الوطني الحافل بنضال الأبطال أمثالها، هي من مواليد 3/10/1966، تعمل رئيسة الأمن الحضري "كريم بلقاسم" لأمن دائرة سيدي أمحمد في العاصمة منذ 1995، زاولت تعليمها الابتدائي في مدرسة حي كراط نور الدين بالمحمدية وهو نفس المكان الذي تمدرست فيه في الإكمالية وتوقفت فيه عن دراستها الثانوية بعد رسوبها في نيل شهادة البكالوريا بالرغم من أنها كانت تتميز باجتهادها في دراستها مع خفة الدم والنشاط. هي إجتماعية منذ الطفولة، لا تتحمل الوحدة ومنذ نعومة أظافرها وهي تفكر في أن تلتحق بسلك الأمن. 1983 كانت هذه السنة هي بداية انطلاق تجسيد الفكرة التي طالما راودتها في حياتها، وأصبح الموضوع ليس مجرد حلم أو فكرة، بل الهدف الجاد. وتمكنت من الالتحاق بجهاز الشرطة بفضل والدها الذي شجعها على ممارسة هذه المهنة بعد الإعلان الذي تصدر صحف الجرائد آنذاك. واجتمع تشجيع والدها مع حب المهنة لتصبح السيدة ليندة طالبة من طلاب المدرسة العليا للشرطة بشاطوناف، تخرجت من الدفعة الخامسة كمفتشة شرطة عام 1985 وكان ذلك اليوم هو يوم فخر واعتزاز لها، حسب ما عبرت به ل "الفجر" وهي تسرد ماضيها الذي صنع منها ضابطة سامية وبالرغم من نظرة "الرفض" للمجتمع آنذاك للمرأة الشرطية إلا أنها قاومت ومضت قدما إلى الأمام. باشرت ليندة مهامها في أمن ولاية الجزائر بمصلحة التنظيم، تحدثت لنا عن الجو الأسري الذي عاشته مع زملائها بالعمل، فقد كانت تتلقى التشجيع من زملائها من الجنسين، وما حفزها أكثر احترام الرجال لها في مضمار العمل، حيث لم تتعرض في يوم من الأيام إلى نظرة تقلل من مكانتها ولم يتوان زملاؤها عن تقديم التوجيهات والنصائح لها. وكانت أصعب مراحل حياتها العملية في العشرية السوداء التي فقدت فيها زملاء في العمل لم تنسهم ذاكرتها، مع ذلك لم تمنعها قسوة تلك الفترة من مواصلة النضال والكفاح من أجل تأدية واجبها، ولم تتوقف بالحديث عن نفسها فقط، بل تذكرت كل شرطية صنديدة كانت تشاركها العمل، كل ذلك بالنسبة للسيدة ليندة كان بفضل الجو العائلي والعمل الجماعي الذي كان يميزهم. دخلت ليندة القفص الذهبي عام 1989، وليس لزوجها أي علاقة بسلك الأمن، ولكنه لم يرفض المهنة وعرفته رجلا متفهما لوظيفتها، رزقت ليندة بمولودها عبد الجليل عام 1994 ورسمت عليه آمالا ليكون خير خلف لخير سلف. والتحقت بالدارالبيضاء متقلدة منصب رئيس مصلحة الشرطة العامة والتنظيم، تلاها منصب رئيس خلية الإصغاء والاتصال، وبعدها ارتقت إلى منصب رئيسة أمن حضري بتامنفوست بأمن الدارالبيضاء. وفي عام 2003 تقلدت منصب رئيس مكتب تكوين بأمن دائرة الدارالبيضاء وآخر منصب شغلته آنذاك هو رئيس النشاط الاجتماعي، ومنذ عام 2005 وهي تعتلي منصب رئيسة الأمن الحضري "كريم بلقاسم" لأمن دائرة سيدي أمحمد وتزاول نشاطها بجد وصرامة وتحرص على السير الحسن لكل ما يحيط بها. تمكنت السيدة ليندة من أداء مهامها دون صعوبة واستطاعت أن توفق بين حياتها العملية والزوجية وأرجعت الفضل لوالدتها أولا ولبقية أهلها الذين ساعدوها على تربية وحيدها. ليندة تعتبر جيرانها العائلة المكبرة لها وتحترم علاقتها بغيرها، وعن جانبها العاطفي، قالت السيدة ليندة أنها بمجرد النظر إلى الراية الوطنية فإنها تتذكر كل من سقط إبان الثورة وكل من سقط وهو يؤدي واجبه الوطني. وعن الحياة الاجتماعية لليندة فهي امرأة تجيد الطهي وتعشقه وبالأخص "الدوارة" وتتفنن في طهيها، تحب كل الأطباق التقليدية، والشهر المفضل لديها هو شهر رمضان باعتباره شهر العبادة والعمل الميداني، على حد قولها. ومعروف عن ليندة أنها نادرا ما تتواجد بمكتبها فهي تقضي معظم أوقاتها في العمل الميداني والتوجيه، ودخولها للمكتب هو علامة التعب والإرهاق عليها. ليندة تكره التمارض وتعتبره عنوانا للفشل، وحاضرها هو وليد الماضي، سلاحها هو التقدم إلى الأمام، تفتخر بالمرأة المجاهدة والثورية. كان أول يوم حملت فيه السيدة ليندة السلاح هو اليوم الذي أثار ضميرها بين استعماله في الواجب والدفاع عن النفس. الرياضة المفضلة لديها هي كرة السلة واللون المفضل عندها هو الأزرق لأنها تنتمي إليه، أما اللون الأبيض فتحبه للبشاشة. سهام أوعيل الجمركية حفيان فصولي نصيرة المفتشة الجريئة مسيرة ربع قرن من التفاني في مكافحة التهريب في سلك الجمارك استقبلتنا بحفاوة كبيرة بمكتبها بالمديرية الجهوية للجمارك بالدارالبيضاء في العاصمة، نبرات حديثها بدت حزينة، بذلت مجهودا كبيرا لمواصلة الحديث معنا حتى النهاية، لكن لما أدركنا السبب عرفنا أنه لم يكن من السهل عليها فعل ذلك وهي التي فقدت شريك حياتها قبل أيام قليلة، لكن ذلك لم يثن السيدة حفيان نصيرة من مواصلة مسيرتها والتفاني في أداء مهامها. ولدت المفتشة نصيرة سنة 1960 وسط أسرة ضحى عدد من أفراد عائلتها في مكافحة الإرهاب، راودها حلم الالتحاق بالجمارك أثناء دراستها الجامعية وهي في ريعان الشباب بجامعة الحقوق ببن عكنون. تقرر وضع حد لمشوارها الدراسي بالجامعة بعد سنتين ببن عكنون، لتلحق بصفوف الجمارك الجزائرية سنة 1983 بالمدرسة العليا للشرطة بشاطوناف تلقت تكوينها، بسبب عدم توفر مدرسة خاصة بالجمارك آنذاك وهي التي تحصلت على المرتبة الأولى في دفعتها وبمعدل 18 إضافة إلى تخرجها كأفضل رامية. حياتها التكوينية تواصلت حيث تلقت دورات رسكلة ومقاربة للكفاءة خاصة حول تأثير المخدر ودورات تطبيقية لدى الشرطة، هذه الأخيرة لم تختف لمستها من حياة السيد حفيان والتي يبدو أنها ألقت بظلالها على شخصيتها المهنية بزرع صرامة استغلتها في مكافحة الجريمة، فضلا عن نبوغها في اللغة الانجليزية فهي حاصلة على شهادة في اللغة الانجليزية من جامعة الجزائر. حياتها المهنية أبهرتنا لعدد المناصب التي تقلدتها، والتي لا تدل إلا على كفاءتها وصرامتها في عملها، وكانت أول الخطوات للسيدة حفيان بميناء الجزائر، حيث تقلدت منصب رئيس مركز الجمارك بميناء المسافرين، بعدها في سنة 1986 وبقرار من الوصاية انتقلت السيدة إلى المديرية العامة للجمارك أين شغلت منصب رئيسة مركز الأمن على رأس إطارات يكبرونها سنا. في سنة 1990 انتقلت السيدة إلى مدرسة الشرطة بالصومعة، لكن هذه المرة لم تكن لشغل منصب إداري وإنما كمكونة، حيث تخرجت على يديها 56 جمركية. في عام 1992 التحقت بالمديرية الجهوية للدار البيضاء أين كلفت بالتحرير الإداري نائبة المدير الجهوي المكلف بالإدارة، بعد ذلك وبنفس المديرية عينت كمكلفة بالأمن والوقاية على مستوى "الجزائر- شرق" وهذا قبل التقسيم الجديد. بدأت المناصب تتعدد على السيدة حفيان، حيث انتقلت إلى المركز الوطني للإعلام والإحصاء أين شغلت منصب مكلفة بالوقاية والأمن، وفي نفس الوقت رئيس مركز الأمن بذات المركز. في سنة 2003 وبعد زلزال بومرداس وصلها قرار المدير العام للجمارك بالعودة إلى وظيفتها السابقة كمكلفة بالأمن والوقاية "الجزائر- شرق" وفي نفس الوقت مكلفة بضحايا الزلزال من موظفي الجمارك. بعد التقسيم الجديد ونهاية مهمتها في التكفل بضحايا الزلزال من عناصر الجمارك، استقرت السيدة في وظيفتها كمكلفة بالأمن والوقاية لدى المديرية وهي اليوم تحمل رتبة مفتش رئيسي للجمارك. السيدة حفيان يستهويها العمل الميداني في مكافحة الجريمة، خصوصا التهريب، وهي اليوم مسؤولة عن 8 مقاطعات جمركية بكل من تيبازة، بومرداس، البليدة، تيزي وزو، البويرة ، وعين طاية بالعاصمة، بالإضافة إلى مسؤوليتها بالمطار الدولي هواري بومدين، تقوم بعمليات ميدانية رفقة الشرطة والدرك بصورة دورية لضرب المهربين والخارجين عن القانون وهو ما جعلها محل احترم الجميع في المهنة كمثال حقيقي وحي عن الأم والزوجة المكافحة. السيدة حفيان عاشت حياة عائلية جد سعيدة وهي مفتخرة بما حققته مع زوجها الراحل في إنشاء عائلة مثقفة ومكافحة وهي اليوم تحزن لفراقه وهي تعلم أنه لو لم ينتقل إلى رحمة الله لواصل تحفيزها على مواصلة مسيرتها.