حسمت الجزائر، في ظرف أسبوع واحد، وكما جرت العادة، في قضايا عديدة مصيرية تتحدّد على ضوئها آفاق المستقبل، ظلت تشغل بال العرب والمسلمين والأحرار في العالم، وكأنها كانت تفضل انتظار موعد الجزائر لتصيح في وجه العالم والقوى الغربية التسلطية فيه، وتعلن رفضها في موقف واضح يكسر الصمت والتواطؤ، بكثير من الموضوعية والشجاعة أيضا• فمن الالتزام المسؤول والشجاع أن تعلن منظمة المؤتمر الإسلامي من الجزائر تدعيم موقف إيران في قضية الانتخابات الرئاسية، في وقت عمّ الصمت العربي والإسلامي بشكل مشبوه ومثير للتساؤل والاستغراب، واكتفى في أقوى تجلياته بالإشارة إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية، حيث عبّرت عن رفض الضغوط الغربية على طهران المشككة في نتائج الانتخابات والساعية إلى زرع الفوضى في الشارع الإيراني والطعن في شرعية ومصداقية مؤسسات الدولة الإيرانية، وهو سيناريو يمارس بحنكة وتكامل بين بعض العواصمالغربية ضد كل حكومة تهدد مصالحها في المنطقة• وعرّجت القمة على ملفات مرتبطة، كالنووي السلمي الإيراني، الترسانة النووية الإسرائيلية، مطلب توقيف الرئيس السوداني من قبل المحكمة الجنائية الدولية، الوضع في العراق، مفاوضات السلام، ووضع الجالية المسلمة المقيمة في الخارج• ومن الالتزام والشجاعة أيضا، أن توفّر الجزائر الجو المعنوي الملائم للأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، ليعلن منها مطالبة سوريا، الأردن، لبنان، وفلسطين، بالسعي إلى استرجاع المياه المحولة بالقوة من قبل إسرائيل، مع فتح هذا الملف بقوة ولأول مرة بحضور ممثل المجلس العالمي للمياه، في سياق سعي الدول العربية إلى ضبط استراتيجية تحقق الأمن المائي والغذائي للعرب، ومن ثمّة تأمين سلطة اتخاذ القرار السياسي، وقطع الطريق أمام مناورات تستهدف تجفيف مصادر المياه، وعلى رأسها الأنهار الكبيرة، النيل، دجلة والفرات، التي تشكل شريان حياة أكبر الدول العربية، مصر، السودان، العراق، وسوريا، من خلال تحريض أو تشجيع دول المنبع أو الممر على الاستحواذ على أكبر كمية ممكنة من مياه الأنهار وروافدها، والقفز على التوافقات والاتفاقيات المبرمة بين الدول المعنية• وتشير التقارير إلى أن الأمر محفوف بمخاطر حقيقية، ويهدد بنشوب نزاعات أو حتى حروب بين الدول بسبب أزمة المياه في العشرين سنة المقبلة، وكثير من الخبراء تقاطعوا في توقعاتهم في اعتبار القرن ال 21 قرن حروب المياه• وقد ذهب الدكتور غازي إسماعيل ربايعة، أستاذ العلوم السياسية في الأردن إلى حد توقع اندلاع حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط قبل ,2015 بينما دعا مدير المجلس العالمي للمياه العرب إلى الاستثمار في المياه، وقال مثيرا أسئلة مشبوهة ''لا تجعلوا دولا أخرى تملي عليكم سياساتها، أو تقول بأن الأمر يتعلق بتبذير، حينما تقومون بمشاريع لضمان توفير الموارد المائية• فكيف يعقل أن تنقل المحروقات عن طريق أنابيب ويرفض نقل المياه عبر أنابيب أو مشاريع خاصة من منطقة إلى أخرى''، في دعوة واضحة إلى الاهتمام بمصادر المياه وتوفيرها على غرار ما هو جار بالنسبة للمحروقات• المؤشرات الاقتصادية العربية حول الثروة المائية يوجد في الخانة الحمراء وتنذر بمعاناة حقيقية لسكان المنطقة، وعلى سبيل المثال شكا السفير العراقي بدمشق الأمر لمسؤول سوري وقال ''يوجد لدينا أزمة مياه، فقال لنا، ونحن أيضا لدينا أزمة مياه، ولكن نتقاسم معا كل ما هو موجود في القدح من ماء''، وهي عينة صارخة عن حدة الأزمة، خاصة وأنها تحدث في العراق، بلاد الرافدين، وأرض المياه، بسبب تراجع ترتيب الأولويات في ظل عدم استقرار المنطقة، بدءا بالحرب مع إيران، ثم الغزو الأمريكي، ما يستدعي عملا وتنسيقا وتضامنا استباقيا لتحقيق أمنها واستقرارها في العشريتين المقبلتين، ولعل أهمها: 60 بالمئة من الثروة المائية ومصادرها في العالم العربي تأتي من دول غير عربية، حيث تتحكم تركيا في إمدادات العراق وسوريا من مياه دجلة والفرات، في حين ترهن كل من تانزانيا، رواندا، وأوغندا في تدفق المياه عير مجرى نهر النيل إلى غاية مصبه في البحر المتوسط• 139 مليار متر مكعب موارد مائية غير عربية، منها 210 موارد مائية سطحية، و174 مليار متر مكعب موارد سطحية مشتركة• 82 بالمئة من الموارد المائية السطحية العربية تحتاج إلى اتفاقيات لاقتسامها• 90 مليار متر مكعب من المياه مهدورة سنويا• عجز سنوي يناهز 290 مليار متر مكعب، من ضمن 550 مليار متر مكعب يجب تأمينها في آفاق ,2025 وهو ما يعني تأمين 24 بالمئة من الغذاء العربي فقط• دول منبع نهر النيل رفضت في مؤتمر كنشاسا، ماي الماضي، احترام حصة مصر والسودان من المياه، وفتحت النقاش حول الشكل النهائي للإطار القانوني والمؤسساتي ل ''مبادرة دول حوض نهر النيل'' العشرة،(مصر، السودان، إيرتيريا، إثيوبيا، أوغندا، كينيا، الكونغو، رواندا، تنزانيا، بورندي)، ورفضوا حصول مقر على حصتها التاريخية المحددة في اتفاقية ,1929 والمقدرة ب5,55 مليار متر مكعب سنويا، ما يهدد بحدوث توتر مفتوح على كل الاحتمالات، قد ينتقل إلى التحكيم الدولي، خاصة إذا لم يتوصل الشوط الثاني من المفاوضات المرتقب عقده في الإسكندرية الشهر الجاري• 50 بالمئة نسبة تبذير العالم العربي للمياه في عملية السقي• إسرائيل شرعت ومنذ عدة سنوات في حفر قناة ضخمة تربط البحر الميت بالبحر الأحمر، مع استغلال شبكة تربط البحر الميت بالبحر المتوسط، كما أنها تعتبر مصادر المياه عاملا حيويا لاستمرار وجودها، وغالبا كانت حروبها أو ترتيبات الانسحاب مبنية على استراتيجية مائية، وهي تضخ مليار متر مكعب سنويا من المياه السورية، عبر الجولان• تشجيع إسرائيل دول منبع نهر النيل على التمرد على الاتفاقيات المبرمة مع مجموعة حوض النيل، مستغلة عودتها القوية إلى العمق الإفريقي وتكوينها لإطارات تشرف الآن على مناصب حساسة في الحكومات، في ظل إهمال العرب وجامعتهم لهذه الأبعاد التي لا تقل استراتيجية، وعلى سبيل المثال تساعد إسرائيل أثيوبيا على إنجاز سد ضخم على مجرى النيل للتضييق على مصر• تركيا توشك على الانتهاء من مشروع الأناضول الكبير،''الكاب''، المتضمن 18 سدا، على الفرات، 3 سدود على دجلة، 17 محطة لتوليد الكهرباء، منها سد أتاتورك الكبير بطاقة تخزين 38 مليار متر مكعب، من مجموع طاقة تخزين تقدر ب 91 مليار متر مكعب، وهو ما يعني أزمة مياه حادة مستقبلية في العراق وسوريا• هذه مؤشرات، من بين أخرى، تؤكد بوضوح أهمية وحيوية القرارات المتخذة في قمة الجزائر لوزراء الماء العرب، كما أنها مؤشرات تترجم حكمة رئيس الجمهورية في إنشائه لوزارة للموارد المائية، وضخه قرابة 20 مليار لتأهيل القدرات الوطنية وإنجاز مشاريع مائية ضخمة، سدود، حواجز مائية، معالجة مياه البحر، معالجة مياه الصرف الصحي، تحديث عملية التوزيع لتقليص نسبة التسرب والتبذير، ربط كل المنشآت المائية في شبكة موحدة مفتوحة على بعضها، والتوجه نحو استغلال المياه الجوفية في الصحراء•