وكانت ''قبة'' أو زاوية سيدي الحسني قبلة لكل سكان الباهية يتوافدون عليها من كل أحياء وبلديات الولاية وسط طلقات البارود لأهل البلاد، وكان يقيم في الديار المحيطة بالزاوية العديد من العائلات القادمة من بعيد لحضور الاحتفالات خاصة أنه كان ينظم في مثل هذه الأيام من عودة المغتربين الذين كانوا يقصدون زاوية سيدي الحسني للتبرك بها• إلا أنه خلال زيارتنا للزاوية لمتابعة احتفالات المبرمجة لوعدة سيدي الحسني، لم نسمع من أفواه الزائرين إلا كلمات الحسرة على أيام زمان حين كان يعاد تلبيس ضريح الولي الصالح كل سنة خلال هذا الموسم وتلاوة القرآن الكريم• ولم تكن تتوقف طلقات البارود والزغاريد والمدح وتلاوة القرآن وتقديم عروض فلكورية لمختلف الطبوع خاصة الصحراوية منها• سكان وهران الذين يتذكرون وعدة سيدي الحسني خلال العشر سنوات الماضية لا يتصورون اليوم حالها، حيث لم يجد الزائرون قطرة ماء تروي عطشهم بالزاوية بعدما تم تحطيم البئر والحنفية التي كانت متواجدة بفناء الضريح وإضافة بيوت وغرف كثيرة فيه لإقامة السكان المتواجدين بمكان الزاوية، ''كل شيء تغير ولم يعد له طعم مثل أيام زمان''، هكذا قالت الحاجة عائشة التي كانت تعمل كمتطوعة في الطهي وصناعة الحلويات خلال وعدة سيدي الحسني التي كان يسهر على خدمتها بعض المشايخ لتتحول اليوم هذه ''الإمارة'' إلى أبنائهم، حيث أقام بجانبها مقدم الزاوية حاليا محلا للخدمات الهاتفية وبداخلها أيضا مقهى للإعلام الآلي بعيدا عن بيع الكتب الدينية أو فتح مكتبة للإطلاع على مخطوطات الزاوية وجعلها منهلل لطلبة العلم والمعرفة ليقتدي الجيل الصاعد بما تركه الأجداد، بعدما شكلت في السابق مركز إشعاع علمي وديني وهذا لعراقتها ومحافظتها على الأصالة والتراث والدور التربوي والروحي الذي قامت بتأديته لما يقرب عن 11 قرنا بداية من الغزو الإسباني والفرنسي وغيرها• تأسيس الزاوية الطيبية تأسست الزاوية الطيبية في الزمن الأوسط إلى جانب الزاوية الحمدوشية والزاوية الصادقية وكان مؤسسها مولاي عبد الله شريف العلمي اليملحي الوزاني الذي لعب دورا كبيرا في ترسيخ وجود الزاوية الوزانية وبذل جهودا جبارة في سبيل إنشائها، من مشوار حياة الرجل الصوفي الذي كان غزير العلم وبعد دراسته بفاس وتطوان حيث تأسست الزاوية في عام 1059م 1649م في مرحلة صعبة من تاريخ المغرب والعالم الإسلامي• وتعد الطريقة الطيبية معلما من معالم التصوف بالمغرب الأقصى والأوسط، حيث تأسست في البداية بالمغرب وكانت ملجأ لكل فئات المجتمع المغاربي لاسيما الفقراء والمساكين الذين كانوا يتوافدون عليها من كل حدب وصوب وكان يستقبلهم شيخ الزاوية بحفاوة وكرم للضيوف• ولعبت الزاوية دورا في الاستقرار الاجتماعي والصلح بين القبائل وفي الدفاع عن السكان من الاستعمار• ولم يبق من التراث الهائل للزاولة إلا 1286 مخطوطا أصاب الكثير منه الرطوبة• وساهمت الزاوية في تدريس العلم بالمساجد الكبرى والصغرى وبادرت إلى إنشاء الكتاتيب القرآنية العامة• ويعود نسب الشيخ سيدي الحسني حسب وثيقة مخطوطة تم العثور عليها عند أحد أحفاده، إلى إبراهيم بن موسى تصل شجرة نسبها إلى سيدنا الحسن والحسين ابن علي رضي الله عنه وأمهما السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت رسول الله (ص) خاتم النبيين• وبعد حياة سخية بالعطاء الروحي والفكري توفي الشيخ سيدي الحسني في 1321ه وضريحه متواجد بزاويته المشهورة بوسط المدينةالجديدة ومحل زيارة وتبرك اليوم• ويتحسر اليوم سكان وهران على أيام زمان عندما كان البارود والخيّالة من الفرنسان ورجال البلاد لوهران وغيرها من المدن حتى أن الوافدين يقبلون على وعدة سيدي الحسني من الرباط بالمغرب وفاس ليحضروا الوعدة التي كانت تذبح فيها الأغنام وتوزع على الفقراء وعابري السبيل والتي تبقى صورا تحفظ اليوم في الذاكرة عند المسنين• إلا أن الزائر للمقام الطيب الشيخ سيدي الحسني لا يجد أمامه إلا الجدران والأبواب مغلقة لا يدخلها إلا أهل الدار أو المعارف، فيما كان الكثير من العجزة يجلسون في الرصيف المحاذي للزاوية يبحثون على جرعة ماء لم يجدوها حيث يبقى مصير الأموال الممنوحة قاب قوسين في غياب المتابعة•