قد يكون ملف الزوايا والأضرحة المتناثرة بمختلف ربوع الوطن، أحد المقدّسات التي لا يجوز المساس بها، حسب العارفين بشؤون الدين من الشيوخ والأئّمة والعلماء، أو هكذا ظلّ الاعتقاد إلى حين، لكن تجاوزات خطيرة وممارسات زائغة، قلبت هذه الأماكن إلى "بنوك" تصبّ بها الملايير سنويا بدون رقيب أو حسيب ومن دون أيّ تساؤل: حيث تذهب كلّ هذه الأموال وفيما تصرف؟، وماذا تقدّم مقابل ذلك للدين الذي وجدت على أساسه، وهو ما حاولت "الشروق اليومي" النبش فيه وكان به من المفاجأة ما لا يخطر على بال، من خلال 41 زاوية طرقية وأكثر من 8 أضرحة متواجدة بعاصمة الغرب، وهران. * الزوّار... فتيات بألبسة فاضحة ومهاجرون شبه عراة * * مغنّي مشهور يشرف على زاوية سيدي الحسني بوهران! * * منذ أمد طويل ظلّت الزوايا أحد الهياكل والأسس المشجّعة على انتشار الدين والحفاظ عليه من الزوال من خلال تعليم القرآن وتلقين الدروس والمواعظ، ونتج عن ذلك على مرّ الأزمنة تفرّع للطرقية حتّى أصبح لكلّ طريقته المتّبعة، على الرغم من أنّ الدين واحد وكذلك الشعائر الإسلامية، إلاّ أنّ واقع الزوايا والأضرحة كميراث ثقيل وتركة عن الأجداد الصالحين وأدعياء الله، صار مصدر رزق يدرّ الملايير ما بين إعانات الدولة والوزارة الوصيّة وتبرّعات المحسنين وصدقات الزوّار والمتوسّلين، يستغلّها أحيانا المشرف أو شيخ الزاوية أو شيخ الطريقة أوالمقدّم بالضريح لأغراضه الشخصية لإقامة فيلات وشراء سيّارات فاخرة وإنجاز مشاريع متنوّعة، ويلفت الأنظار عنه من خلال تخصيص نسبة ضئيلة من المداخيل الضخمة للنشاطات الثقافية والدينية المبرمجة سنويا كالوعدات والولائم والتي تدّر هي بذاتها أموالا طائلة سواء من حيث الإعانات أو صدقات الزوّار من كلّ ولايات الوطن، لكنّ الأسوأ من ذلك أنّ بعض القائمين على الأضرحة أصبحوا يهملون شيئا فشيئا أسس الدين، و"يبزنسون" ب"حروز" تنفع للمرضى!، الراغبات في الزواج أو الإنجاب وغيرهم من خلال الشعوذة، الأمر الذي رصدته "الشروق" من خلال عيّنات من زوايا وأضرحة وهران. * * مغنّي مشهور، شيخ للطريقة الطيبية ومشرف على زاوية سيدي الحسني! * * يبدو بادئ الأمر، اتّهاما غير قابل للتصديق أو إدّعاء لغرض، خصوصا وأنّ صورة شيوخ الزوايا لدى الجميع لا تخرج عن إطار العابد المتنسّك الذي يكون مثالا في الورع والتقوى، وقد كنّا أثناء تحضيرنا لزيارة زاوية سيدي الحسني الشهيرة المتواجدة بالقرب من المدينةالجديدة، نتوقّع أن يكون شيخها صاحب عباءة وبرنوس، تظهر على ملامحه المشيخة، خصوصا وأنّ جميع من قابلناهم ذكروا لنا اسمه الشيخ مولاي الحسن شريف الوزاني، ويعرف بهذا الاسم لدى العام والخاص، وإذا بنا نتفاجأ بشابّ في الأربعينيات يرتدي سروال "جينز"، ويتكلّم الفرنسية، وكنّا قبل مقابلتنا له قد تحصّلنا على معلومات لا يعلمها إلاّ القليل، مفادها أنّه مغنّي ويشرف على الزاوية في نفس الوقت، وتحصّلنا على "كارت" أو بطاقة زيارة خاصّة به، كان يوزّعها سابقا، تحمل صورته ببدلة رسمية، يظهر فيها مبتسما طويل الشعر، ويوجد فوق الصورة الصغيرة رسم لوردة وتحتها عبارة "أحبّك" بالإنجليزية، أمّا ما كتب علي البطاقة، فكان بالفرنسية، حيث يوجد اسمه واضحا "مولاي حسن شريف الوزّاني"، وتحتها العبارات التالية التي تشير إلى المهن التي يزاولها شيخ زاوية سيدي الحسني: مغنّي، صحفي، محلّ لخدمات الهاتف: نسخ الأوراق، الرقن على الحاسوب، مذكّرات، فاتورات، بطاقات زيارة، بطاقة مهنية، مطويات، شعارات،الكتابة على المجسّمات،فاكس،نسخ الأقراص المضغوطة، طلب السيرة الذاتية، التغليف البلاستيكي، بيع بطاقات التعبئة. وأرفقت هذه الخدمات بهاتف النقّال والفاكس والعنوان التّالي: 8 شارع سيدي الحسني، وهران، وهو نفس عنوان الزاوية ونفس أرقام الهاتف والفاكس التي وجدناها في مطوية خاصّة بالبرنامج السنوي للزاوية التي تحصّلنا عليها من "الشيخ/ المغنّي" ذاته، وقد اكتشفنا ذلك حقّا، من خلال زيارتنا للمحلّ الخاصّ بخدمات الهاتف بالزاوية، حيث يعلّق هناك صورة كبيرة الحجم تحمل صورته الفنيّة وهو يحمل قلادة حول رقبته، طويل الشعر، وكتب على الصورة، "استوديو سانت كريبان"، كما كتب على الصورة بالبند العريض وباللّغة الفرنسية "الشريف الوزّاني، ملك التيندي"، ما معناه أنّه يختصّ بأغاني التيندي، وعادت بنا الذاكرة حينها إلى مطرب مشهور في الطابع التيندي والأغاني الصحراوية، كانت أغانيه وكليباته تبثّ على التلفزيون، بحصّة "بلاد ميوزيك" بداية التسعينيات، وقد قدّم لنا نفسه على أنّه شيخ الطريقة الطيبية والمشرف على الزاوية! * والأجدر بالذكر أنّ النسب الشريف للوليّ الصالح سيدي الحسني الذي يعدّ أحد أجداد "المغنّي"، يعود إلى الحسنية، أي إلى "الحسن بن علي" أو الحسينية أي "الحسين بن علي"، بمعنى انتمائه إلى سلالة عثمان بن عفّان أو أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، والنسب لهؤلاء يطلق عليه "المرابطون". * * برامج تدرّ الملايين وممتلكات مثيرة للانتباه * * يعدّ الشيخ مولاي الحسن الشريف الوزّاني، ابن حفيد "العارف بالله الشيخ الوالي الصالح سيدي الحسني الشريف الوزّاني، الذي توفيّ بالزاوية في وهران بتاريخ 1321 عن عمر يناهز 94 سنة، حيث أنجب ولدين، أحدهما وهو أحمد جدّ "الشابّ شريف الوزّاني"، وكان والد هذا الأخير مولاي عبد الله، الذي توفيّ بنفس الزاوية في سنة 1999، تاركا خلفه ابنه البكر مولاي أحمد بدر الدين، "مولاي الحسن الشريف الوزّاني" والأصغر مولاي الطيّب، وذلك ما يوضّحه شيخ الطريقة الطيبية ذات الأصول المغربية، "الشاب شريف الوزّاني" من خلال شجرة النسب وأصول الطريقة، في كتاب ألّفه هو، على حدّ تعبيره، "أصول الطريقة الطيبية وسيرة الصوفي سيدي الحسني الوهراني"، صادر عن دار الأديب بوهران، سنة 2007، "تحصّلت الشروق على نسخة منه" وقد طبع على نفقة دار الثقافة زدّور إبراهيم بلقاسم، على هامش ملتقى دولي موّلته مؤسّستا سوناطراك وسونلغاز، إلاّ أنّه فضّل عدم كتابة اسمه كمؤلّف للكتاب، وأرجع ذلك قائلا "حتّى لا يقول النّاس أنّ شيخ الزاوية ألّف كتابا على نفسه.."، ومن البرامج التي أشرفت عليها زاوية سيدي الحسني والتي خصّص لها مبالغ ضخمة، حسب مقرّبين، ملتقى دولي العام الماضي حضره جزائريون ومغاربة، تناول إشكالية الطرق الصوفية ومدى تأثّر أتباع ومريدي الطريقة الطيبية بالولي الصالح الشيخ سيدي الحسني، شارك فيه أساتذة من أدرار، بشار، أساتذة بجامعة وهران، وأساتذة من طنجة وتيطوان بالمغرب، وكان مدير الملتقى "شريف الوزّاني مولاي الحسن" نفسه مغنّي التيندي وشاركه في التنظيم شقيقاه. ومن بين البرامج الثقافية والدينية كذلك الوعدة المشهورة لسيدي الحسني والتي دامت مدّة ثلاثة أيّام من 9 إلى 11 جويلية الماضي، وقد كانت، حسب شهود عيان، كارثية من حيث التنظيم، إذ اضطّر الزائرون إلى المبيت بالشارع وافتراش "الكرطون"، حيث يتنقّل مئات من مختلف ولايات الوطن إلى الزاوية في الموعد ذاته سنويا، للتبرّك بالولي الصالح، وتتدفّق مختلف أنواع الطعام وكثير من الأموال من المحسنين لتذبح الخرفان وتقام الولائم وتمتلأ خزينة الزاوية. * * نساء ترقصن، عشيقات وممارسات غير أخلاقية بالوعدة * * ثلاثة أيّام من الاحتفال بوعدة سيدي الحسني، لم تصطبغ بجوّ إيماني وممارسة شعائر دينية مثلما يسطّر لذلك، حيث يروي شهود عيان أنّ وعدة سيدي الحسني الأخيرة، تحوّلت إلى مشاهد للرقص والغناء وإطلاق الزغاريد والعبث بشتّى أنواع الأطعمة، تحت أصوات بارود فرقة أولاد توت، وأضافت مصادرنا أنّ نساء كنّ يرقصن بالشارع وسط جموع غفيرة من الوافدين إلى الوليّ الصالح، حسب أفلام فيديو مصوّرة عن طريق أجهزة الهاتف النقّال "اطّلعت عليها الشروق"، وكانت الوعدة لا تخلو من الأزواج وأصحاب العلاقات غير الشرعية، حيث اصطحب مجموعة من الزوّار عشيقاتهم إلى منطقة عين الترك لتناول الكحول، وقدموا في ساعات متأخّرة من الليل ليبيتوا بالرصيف على طول الشارع، حيث تتواجد الزاوية وحيث بات العشرات وكانت السيّارات مخادع لممارسات غير أخلاقية، استاء لها كثيرون. فيما ذكر شيخ الطريقة الطيبية أنّ عدد الزائرين هائل ولا يمكن إيوائهم جميعا على مدى الأيام الثلاثة، ومن أجل ذلك تقدّم بطلب لاستفادته من مراكز للإيواء أثناء الوعدة السنوية، مصرّحا أنّه يتّم فيها تلاوة القرآن الكريم ابتداء من صلاة العصر إلى غاية صباح اليوم الموالي، وهو ما يعرف بالسلكة، ويرافق ذلك حفل فلكلوري احتفالا بختم القرآن ويعقب "بتلبيس ضريح الولي بحضور الأشراف ومقاديم مختلف الطرق" والإنشاد من طرف فرق الطريقة العلوية، التجانية، الماشيشية، البوعبدلية، الهبرية والقادرية. * * أين تذهب مداخيل "الزيارة" والشعوذة وإعانات الدولة؟ * * حسب تصريحات المشرف على زاوية سيدي الحسني، فإنّ الأعباء المالية للنشاطات الثقافية والدينية ومصاريف ونفقات الزاوية وطلبتها أكثر من المداخيل السنوية، لكنّ ما لاحظناه غير ذلك تماما، حيث كان يكفينا المكوث لساعات قلائل بالقرب من الزاوية والاستفسار من بعض الداخلين إليها، لنكتشف أنّ أموالا طائلة تتدفّق على الزاوية وصاحبها، إذ لاحظنا أنّه ما لا يقّل عن 100 زائر في الساعة، يقصدون الزاوية، خصوصا في فترة الزوال، ولا تتوقّف مختلف أنواع السيّارات، الفخمة والعادية منها من التوقّف أمامها مقلّة عائلات بأكملها، لا تقّل "زيارة" الواحد منها عن 100 دج، فيما تتجاوز "زيارة" أصحاب المال والأثرياء، ذلك بكثير، حسب شهادات مقرّبين، وحين استفسارنا لدى إحدى النساء القاصدات للزاوية، صرّحت لنا أنّها لاجئة إلى شيخ أو طالب بالزاوية، ليكتب لها حرزا لشفاء ابنتها"، مضيفة أنّ عمله ينفع لحالات المرض، وزواج العانسات وإنجاب العاقرات، وغيرها، وعلى هذا الأساس يقصد الزاوية نساء ورجال من شتّى ولايات الوطن، وقد تعرّفنا بعد ذلك أنّ الشيخ إنّما هو مشعوذ، وهو شابّ في مقتبل العمر يتواجد في غرفة على اليمين، حيث يسطّر الحروز مقابل مبالغ مالية معتبرة، وكشف مقرّبون رفضوا الكشف عن هويّتهم أنّ الزاوية يتواجد بها عدد من "الطلبة" يمارسون الشعوذة منذ زمن ويتاجرون بمصائب الناس و"غبينتهم"، ضف إلى ذلك المبالغ التي يدفعها ما لا يقّل عن 300 طالب، صغارا وكبارا نظير تعلّم القرآن، حسب شهادة شيخ الزاوية نفسه، هذا الأخير صرّح أنّ إعانات الدولة شحّيحة ولا يتّم الحصول عليها إلاّ بعد مجموعة من الإجراءات الطويلة ويطلب تبعا لذلك زيادة الاهتمام بهذا الموروث وتخصيص ميزانية للنشاطات الثقافية والدينية، وهو ما أفاد به مضطلعون، حيث ذكروا أنّ زاوية سيدي الحسني حرمت هذا العام من مساعدات مالية، مادّية وبشرية فيما يتعلّق بالوعدة كانت تستفيد منها لسنوات مضت لأسباب مجهولة، حيث أنّها لم تحصل إلاّ على بضعة صهاريج مياه صالحة للشرب من مؤسّسة الجزائرية للمياه، لم تكف لكافّة الزوّار الذين طرقوا أبواب الجيران طمعا في الحصول على كوب ماء. كما تجدر الإشارة إلى أنّ زاوية سيدي الحسني تتواجد على مستوى 48 ولاية "كفروع للبنك المركزي" وذلك تحت إشراف الزاوية الأمّ، بمعنى أنّ جزءا كبيرا من مداخيلها يصبّ في حساب زاوية الوليّ الصالح بوهران. * * فيلا فاخرة، "طاكسي فون"، سيّارة جديدة وممتلكات أخرى * * لا أحد بإمكانه مساءلة المشرفين على الأضرحة والزوايا، حول وجهة مداخيلها غير الجهات المختصّة، فيما تعدّ هذه الأموال وقفا لها، ممنوعة من الضرائب والمراقبة والمتابعة، باستثناء تقديم حصيلة سنوية عن النشاطات الثقافية والدينية لدى الجهات المعنية، حسب ما صرّح به رئيس مصلحة الشعائر الدينية والإرشاد والأوقاف بمديرية الشؤون الدينية، مصطفى عدنان، والذي أكّد أنّ ملفات اعتماد الزوايا تؤشّر من قبل مديرية تنظيم الشؤون العامّة بالولاية بعد تحقيقات أمنية وإدارية وتقصّي حول سمعة صاحبها ودراسة للملف من كلّ الجوانب، فيما لا يتجاوز دور مديرية الشؤون الدينية، منح الموافقة المبدئية بعد الإطّلاع على جوانب تتعلّق بأرض الزاوية والمشرف عليها، وحين سؤالنا عن شيخ زاوية سيدي الحسني الذي يعتبر نفسه ملك أغنية التيندي وله فيديوكليبات وأغاني مسموعة، صرّح رئيس المصلحة أنّ شقيقه هو المغنّي وليس هو شيخ الطريقة الطيبية، على الرغم من أنّ المعنيّ ذاته أكّد ذلك ويفتخر أنّه فنّان وزعيم للطريقة في نفس الوقت، بل أكثر من ذلك هدّد بوضع حدّ لزوايا تنشط بقسنطينة مستغلّة اسم الطريقة الطيبية، إذ قال إنّها تستعمل ذلك في الشعوذة وجمع الأموال، ولا يمكن لأيّ مريد أو مقدّم زاوية أن ينتمي إلى زاوية سيدي الحسني إلاّ إذا حصل على إجازة من قبل شيخ الطريقة "مولاي الحسن شريف الوزّاني". * تتوجّه أنظار عدّة أطراف إلى ممتلكات العائلة، مرجّحة أن تكون ثمارا لما تدرّه الزاوية سنويا، حيث لاحظنا أنّ مقّر الزاوية نفسه عبارة عن ورشة مفتوحة، تمارس بها أشغال البناء، فيما يجاورها محلّ لخدمات الهاتف والإعلام الآلي وفيلا فاخرة، تتواصل بها أشغال البناء، صرّح لنا أحدهم أنّها بمثابة قصر قيد الإنجاز، وحسب المقرّبين من الشيخ دائما، فإنّه يمتلك سيّارة من نوع "رونو كونغو" جديدة، إضافة إلى ممتلكات أخرى، مثيرة للانتباه. * * الأضرحة...استثمار آخر يدّر الملايين بعيدا عن أنظار الرقابة * * لا يعدّ كشف جزء من هذه الحقائق، تحاملا على زاوية بعينها، لأنّ باقي الزوايا والأضرحة على المستوى الوطني لا تقّل شأنا عنها وتطاردها الاتّهامات من كلّ جانب، وسط جهل المتشبّثين بها لأغراض التبرّك والشفاء، الزواج والإنجاب وقضاء مختلف الحاجات، حيث توجد بوهران لوحدها 43 زاوية، منها اثنتان لا تعملان وأكثر من 8 أضرحة، حسب رئيس مصلحة الشعائر الدينية والأوقاف، تمثّل مختلف الطرق كالشادلية والدرقاوية ويقدّر عدد طلبتها الأقّل من 15 سنة بنحو 78 طالبا، أمّا الذين يتجاوز سنّهم ال 15 سنة، فهم أكثر من 300 طالب، بمعدّل ما بين 20 و30 طالبا بالزاوية الواحدة، مردفا أنّ الإعانات المالية التي تمنحها الولاية والوزارة تكون وفق تقييم النشاطات التي تقوم بها سنويا، وأنّه لم تكتشف أيّ تجاوزات فيما يتعلّق بوجهة مداخيل الزوايا والأضرحة، هذه الأخيرة التي صرّح بشأنها ذات المصدر أنّ إيراداتها ضئيلة ولا تكفي حتّى للتكفّل بالنفقات اليومية، مشيرا إلى أنّ "مقدّم" الضريح يعيّن على أساس ترخيص من الجهات المختصّة وفقا لجملة من الشروط. * خلال ترقّبنا لظاهرة مراودة الأضرحة وتوافد الزوّار من خلال ضريح سيدي الهواري، تبيّن لنا عكس ما قيل عن المداخيل الضئيلة والصدقات الشحّيحة، حيث يغصّ المكان بالوافدين رجالا ونساء وأطفالا مصحوبين من قبل عائلاتهم حتّى من هم في المهد، تبرّكا بالوليّ الصالح، فضلا عن مواكب الأعراس، وقد جهّزت "القبّة" التي تبدو مهترئة من الخارج بجهاز مبرّد. المئات يقصدون الضريح يوميا، ويعدّ من المحظورات عرفا أن يدخل أحدهم إلى "القبّة" دون أن يمنح "الزيارة" للمقدّم ليمكث بعد ذلك ما شاء من الوقت بالداخل، وقد لفت أنظارنا عائلات تقيم بالخارج كثر تردّدها على الضريح وبما أنّها تعرف لدى المتسوّلين المتجمّعين بالمكان ب "الأورو"، فلا شكّ أنّها كريمة لأبعد الحدود، وأمام هذا الوضع تحدث شجارات كثيرة ما بين نساء متسوّلات يقبعن طيلة النهار وعلى مدار الأسبوع، يوزّع عليهن الخبز والحليب والألبسة وما شابه، لكنّ تفضيل المحسنين لبعضهنّ عن أخريات باعتبار أنّ عددهن يتجاوز العشرة وما يقابل ذلك من الرجال، يحدث مناوشات وتبادل للسبّ والشتم ما بينهنّ دون أيّ احترام لما يمثّله الضريح من قداسة. * * * الزوّار... فتيات بألبسة فاضحة ومهاجرون شبه عراة * * يبدو أنّ عدم احترام مثل هذه الأمكنة لا يلام عليه المتسوّلون فقط، باعتبار أنّ الدخول إلى الزوايا والأضرحة، أصبح لا يختلف عن الدخول إلى "كباريه" أو علبة ليل، حيث لاحظنا خلال مراقبتنا لزاوية سيدي الحسني وضريح سيدي الهواري، فتيات يدخلن بألبسة فاضحة تظهر عوراتهنّ، يتقدّمن بمفردهن أو برفقة أصدقائهنّ أو عائلاتهنّ دون مبالاة بباقي الزوّار من العجائز اللواتي يبدين استنكارهنّ لهذه الألبسة وكثيرا ما يوجّهن ملاحظات قاسية، تصل إلى حدّ الشجار داخل المقام. إضافة إلى ذلك لا يبالي المهاجرون بألبسة قصيرة يرتدونها، حيث دخل أحد الشبان بتبّان فوق الركبة عاري الكتفين، ومكث بضريح سيدي الهواري طويلا ونظرا لضيق "القبّة" التي تعدّّ بمثابة غرفة واحدة، فإنّ الجميع رجالا ونساء يختلطون ويتكدّسون بالداخل دون أيّ حواجز. * ولا يحدّد المشرف على الزاوية أو المقدّم بالضريح أيّ ضوابط لاحترام المكان ما دام الوافدون مصدر رزق، بينما أصبحت هذه الأمكنة مفضّلة لمعاكسة الفتيات وممارسة أفعال مخلّة بالحياء بالقرب منها، على غرار ما يحدث بضريح سيدي عبد القادر الذي يتواجد بمكان منعزل بجبل المرجاجو قرب كنيسة "سانتا كروز"، حيث يغصّ المكان بالأزواج، دون أيّ تدخّل لمنع هذه الممارسات غير الأخلاقية. * وقد لفت انتباهنا أيضا، أنّ نفس الزوّار تقريبا يتوجّهون إلى مختلف الزوايا والأضرحة، حيث شاهدنا فتاة في العشرينيات تتردّد على زاوية سيدي الحسني يوميا وكانت المفاجأة أن وجدناها بضريح سيدي الهواري كذلك، وخلال تقرّبنا من إحدى الزائرات وهي عجوز متقدّمة في السنّ، ذكرت لنا أنّ ابنها مريض ولم يكشف الأطباء عن مرضه، بينما أكّدت لها مشعوذة بعين الترك أنّه مصاب ب "المومنين"، وعليها أن تأخذه إلى ضريح سيدي الهواري ثلاث مرّات ثمّ تعود به إليها، وكان جميع الوافدين يشربون من برميل ماء وضع أمام مدخل الضريح تبرّكا به، بينما قام شيخ في منظر أضحك الجميع، بصبّ هذا الماء على ولديه المريضين إلى غاية أن ابتلّت كامل ملابسهما، لكنّ الغريب في الأمر أنّ صاحب سيّارة كان يملأ البرميل من ماء الحنفية كلّما فرغ، ما معناه أنّه ماء عادي!