يبدو أن أزمة الهوية لم تعد هاجسا يؤرق الجزائريين وحدهم دون غيرهم من العرب، بعد تعاظم التيار المطلبي للجزائريين من أصول أمازيغية وإرغامهم الدولة على الاعتراف باللغة الأمازيغية ودسترتها وترقيتها إلى لغة وطنية• وترقية ثقافتهم التي يرفضون لها الانصهار في الهوية العربية• إذ تعرف بلدان الخليج في الآونة الأخيرة خطرا حقيقيا يتربص بهويتها العربية، خطرا جعل جهات رسمية وفكرية تدق ناقوس الخطر، مثلما حدث في المؤتمر الذي احتضنته الدوحة مؤخرا حول طمس الهوية العربية في منطقة الخليج، حيث وصف توافد العمال الأسيويين والغربيين على بلدان الخليج بالقنبلة الموقوتة• فالزائر لبلدان الخليج إن لم يكن يحسن لغة التعامل فيها، اللغة الإنجليزية، فإنه لن يتمكن حتى من حجز غرفة فندق، أو طلب وجبة غذاء دون الاستعانة بمترجم يحسن العربية، فسواء كنت في الدوحة أو دبي أو المنامة، أو حتى في الكويت، فإنك مجبر على إتقان اللغة الانجليزية، ليس كشرط للحصول على عمل فحسب، بل حتى في التعامل في الحياة اليومية، فمن سائق التاكسي إلى النادل في المطعم، أو الباعة في الأسواق العامة، لا يستعملون إلا اللغة الجامعة، الإنجليزية، حتى يبدو لك وكأنك في شوارع لندن أو نيويورك• وأكبر خطر تواجهه الهوية العربية في الخليج يتربص بالأسرة، بعد أن تخلت المرأة الخليجية على دور المربي للنشء وتنازلت عن هذا الدور للمربية الأسيوية، التي لا تتقن لا العربية ولا حتى الإنجليزية السليمة، ففي الخليج شباب وأطفال يتلكؤون عندما يتكلمون العربية، وينطقون إنجليزية هجينة هي في الغالب مزيج بين الهندية والانجليزية• والخطر لا يقتصر على اللغة كرافد للهوية، فقد قطعت المربية الآسيوية حبل الصلة بين النشء والسلف، وهو ما أبعدهم عن الثقافة العربية ومسح فيهم الاعتزاز بالانتماء إلى حضارة امتدت لقرن و سيطرت على العالم و لم يبق من الخليجي غير حبه للكسب و المال بعيدا عن كل القيم التي كانت إسمنت العلاقة في المجتمعات العربية.