رئيس الجمهورية يعزي في وفاة الفنان حمزة فيغولي    سوناطراك: السيد حشيشي يتفقد الوحدات الانتاجية لمصفاة الجزائر العاصمة    إجتماع تنسيقي بين وزارة الفلاحة والمحافظة السامية للرقمنة لتسريع وتيرة رقمنة القطاع الفلاحي    كرة القدم: الممثل الاقليمي للقسم التقني على مستوى الفيفا في زيارة عمل بالجزائر    العقيد عميروش, قائد فذ واستراتيجي بارع    وفاة الفنان حمزة فغولي عن عمر ناهز 86 عاما    المسابقة الوطنية لحفظ وترتيل القرآن الكريم لنزلاء المؤسسات العقابية: إختتام الطبعة ال15 في أجواء روحية مميزة    كأس الجزائر: تأهل اتحاد الجزائر ومولودية البيض إلى الدور نصف النهائي    مركز التكفل النفسي الاجتماعي ببن طلحة: إفطار جماعي وتقديم ملابس عيد الفطر لأطفال يتامى ومعوزين    في يوم الأرض.. الاحتلال الصهيوني يستولي على 46 ألف دونم في الضفة الغربية سنة 2024    اليوم العالمي للمسرح: المسرح الوطني الجزائري يحتفي بمسيرة ثلة من المسرحيين الجزائريين    الجزائر- قطر: التوقيع على الاتفاقية النهائية للمشروع المتكامل لإنتاج الحليب بجنوب البلاد    اختتام "ليالي رمضان" بوهران: وصلات من المديح الأندلسي والإنشاد تمتع الجمهور العريض    عجّال يبحث سبل تعزيز التعاون مع سفير جنوب إفريقيا    الرجال على أبواب المونديال    تطبيق رقمي لتحديد التجّار المُداومين في العيد    2150 رحلة إضافية لنقل المسافرين عشية العيد    التبرع بالدم.. سمة جزائرية في رمضان    الحماية المدنية تدعو إلى الحيطة    هذه رزنامة امتحاني البيام والبكالوريا    مكسب جديد للأساتذة والمعلمين    تعيين نواب من العهدات السابقة في اللجنة الخاصة    فرنسا.. العدوانية    هذا موعد ترقّب هلال العيد    الجيش الوطني الشعبي: القضاء على إرهابيين و خمسة آخرون يسلمون أنفسهم خلال أسبوع    صحة : السيد سايحي يترأس اجتماعا لضمان استمرارية الخدمات الصحية خلال أيام عيد الفطر    تساقط الثلوج على مرتفعات وسط وشرق البلاد ابتداء من مساء السبت المقبل    قطاع الصحة يتعزز بأزيد من 6000 سرير خلال السداسي الأول من السنة الجارية    المرصد الأورومتوسطي: استشهاد أكثر من 103 فلسطينيا واصابة 223 اخرين يوميا منذ استئناف العدوان على غزة    اللقاء بسفير المملكة لدى الجزائر فرصة لتأكيد "ضرورة تعزيز التعاون والشراكة"    فوز المنتخب الوطني على الموزمبيق "رسالة واضحة للمشككين"    عرض فيلم زيغود يوسف    محرز فخور    ملابس العيد.. بين بهجة الموديلات ولهيب الأسعار    دورية تفتيشية لمكاتب صرف منحة السفر    خط السكة العابر للصحراء.. شريان تنموي وثقل إقليمي    الجمعية الوطنية لتربية المائيات تطالب بلقاء الوصاية    سوريا تواجه تحديات أمنية وسياسية خطيرة    "أطباء بلا حدود" تطالب بمرور المساعدات الإنسانية لفلسطين    حلوى "التمر المحشي" على رأس القائمة    "الطلاق" موضوع ندوة علمية    حققنا فوزا مهما لكننا لم نضمن التأهل بعد    برامج ومسلسلات ومنوعات اختفت    أغلب رواياتي كتبتها في رمضان    حساب رسمي لوزارة الدفاع الوطني على "إنستغرام"    الأرجنتين تدكّ شباك البرازيل برباعية    بيتكوفيتش: لم نتأهل بعد إلى المونديال وراض عن الأداء    رفع مستوى التنسيق لخدمة الحجّاج والمعتمرين    حج 2025: برايك يشرف على اجتماع تنسيقي مع وكالات السياحة والأسفار    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شوال السبت القادم    طوابع بريدية تحتفي بالزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري    الجزائر تندد    استشهاد 17 فلسطينيا خلال استهداف منازل وخيام لنازحين    فرسان صغار للتنافس بمساجد قسنطينة    الدعاء في ليلة القدر    المعتمرون ملزمون بالإجراءات التنظيمية    غزة تُباد..    هؤلاء حرّم الله أجسادهم على النار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السينما والجزمة وأم الدنيا
خارج الكادر
نشر في الفجر يوم 08 - 12 - 2009

مباراة كرة قدم تعيد بلدين إفريقيين إلى أزمنة قديمة•• وتحديداً إلى فجر الانسانية، ذاك الذي صوّره ستانلي كوبريك في افتتاحية فيلمه ''''2001 حيث نرى مجموعة غوريلات ضخمة (آباؤنا البيولوجيون حسب داروين ونظرية التطور التي تعتبر أننا والقرود من أصل واحد) تكتشف للمرة الأولى قطعة عظم، فتجد فيها أداة صراع، فتمسكها وتنهال بها ضرباً وتقاتلاً من دون غاية سوى إثبات الوجود، ثم يُرمى العظم في الجوّ، ليتحول هذا السلاح تدريجاً قلماً، في لقطة يمكن اعتبارها أطول اختزال زمني في تاريخ السينما• وبذا، تدخل الإنسانية مرحلتها الحديثة: يكتشف الإنسان أنه قادر على غزو الكواكب الأخرى بعقله، وأيضا بمشاعره الآدمية• لكن، يبدو اليوم أن هذا الاختزال، أو هذا الإنتقال بين عصرين، لم يحصل بعد، ولن يحصل أبداً، في بلدان كثيرة من هذا العالم•
لسنا معنيين بما صرح به فلان من أهل السياسة على هذه الشاشة أو تلك• فمعظم هؤلاء مدانون ومخططاتهم واضحة• لكن ما يبعث على القلق في القضية أن هذا الصراع الغوغائي البائس والخاسر سلفاً، أسقط الأقنعة عن وجوه الكثيرين•
وحسناً فعل• مرة أخرى: ليس أقنعة السياسيين ورجال ما يسمّى ''الإعلام''، إنما الأقنعة التي يلبسها أهل الفن في بلد كانت فيه السينما، ذات زمن غابر، مفخرة للعالم العربي، قبل أن يتحول في قسمه الغالب مهزلة•
بصراحة، لم أرد في البدء الكتابة عن تصريحات بعض من يعتبرون أنفسهم قدوة لمجتمع بأكمله• خشيت أن أزعل أصدقاء لي وأناساً أحبهم في هذا البلد، على رغم أنهم لا يفرقون كثيراً بين النقد والشتيمة، وبين الحقد والملامة•
لكن حجم الاستفزاز كبير، والإهانة لا تقاس، وهي موجهة إليهم وإلينا وإلى هؤلاء الأصدقاء كذلك• لذلك استدرجنا•• الإهانة كبيرة وخصوصاً للمهنة التي يزاولونها• بعض التصريحات سمعتها مراراً، ولم أرد أن أصدقّ أنها آتية من جماعة السينما والإخراج والتمثيل، ومن بلد يملك حضارة عمرها آلاف السنين• فالسينما في الغرب أحدثت ثورات متعددة ومستمرة في عقول الناس منذ ,1895 ويفترض أنها تبعث النور حيث الظلام، لا العكس• فمن هم هؤلاء الظلاميون؟ ومن هم الأشخاص الحقيقيون الذين يعملون في هذا المجال؟ أي فكر إنساني يحملونه في عقولهم؟ الأهم من هذا كله، هل يستحقون فعلاً أن يعتبروا نخبة الشعب وأن يتم الاحتفاء بهم وبأعمالهم في المهرجانات والمناسبات الإجتماعية؟ بعد هذه الفضيحة، أقول ثم أقول: حتماً لا• فبعد ما سمعناه من كلام مخجل، في الأيام السبعة الأخيرة على الفضائيات والأنترنت، انتقلت المشكلة من كونها مع الفن الهابط في مصر، إلى كونها مع بعض صنّاعه• لا أقصد الذين صمتوا وخجلوا ولم يعرفوا أين يخفون رؤوسهم، من مثل الذين لملموا تواقيع من أجل عريضة منددة تدعو إلى التهدئة وقبول الآخر، بل أقصد ''الفنانين'' الذين كان رأسهم مرفوعاً ساعة ناشدوا الناس الذهاب إلى القتل والإنتقام•
عادل إمام كان زعيم هذه الجوقة• وما الذي تتوقعونه من فنان يتسامح مع اللقب الذي أطلق عليه؟ لقب ''الزعيم''• هل الزعامة في بلدان التوريث والشمولية شيء يرفع الرأس؟ أياً يكن، فهو لم يكن مضحكاً عندما قال: ''مصر أم الدنيا• ويللي بقول غير كده حندوسو بالجزمة''•
كلمة ''الجزمة'' هذه استحضرت مرة أخرى على لسان فنانة يبدو أنها كانت خارجة من حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي، فسألتها المذيعة ما رأيها أن المهرجان كان قد كرّم قبل أيام معدودة السينما الجزائرية، فقالت إن ''(هؤلاء) لازم نكرمهم بالجزم''• أما المهرجان المذكور فتحوّل في سهرة ختامه حفلا زجليا لتمجيد الشوفينية• أمسك فتحي عبد الوهاب جائزته أمام الجمهور، ونار العصبية تخرج من عينيه المرعبتين وأهداها إلى منتخب بلاده•
في لحظة تعصب وعودة إلى الغرائز البدائية، خلط الجميع بين الناس والسلطة والفن• الثلاثة كثيراً ما لا تجمعهم روابط الأخوة• لكن من منظار الفنانين الشوفينيين، يصبح هؤلاء الثلاثة في صف واحد• هل الأغنية أو الكتاب أو الفيلم يمثل البلد الذي ينتج فيه؟ هل هي وجهة نظر الناس أم وجهة صاحبه قط؟ وهل الفرد يمثل المجتمع الذي ينتمي إليه وهو مسؤول عن أفعاله؟ وهل سينمائيون جزائريون من أمثال طارق طقية وأحمد راشدي ومرزاق علواش ومحمد لخضر حمينا مسؤولون عما حصل وينبغي مقاطعة أعمالهم السابقة والحالية والمقبلة؟ وهل مهرجان وهران مسؤول عن هذا كله، كي يتحمل تبعاته، وتعاد إليه الجوائز التي ذهبت إلى فنانين من هناك؟ الرأي العام في الأيام السبعة الأخيرة صُنع تماماً كما يصنع الكشري• ولا يبدو أن أياً من هؤلاء الفنانين الذين تجاوزوا أدبيات الكلام بين الشعوب، يعي أن الفن ليس للبهرجة والسهرات الإحتفالية والتقاط الصور، بل مجموعة قيم راسخة، أهمها عدم اعتبار أي إنسان أفضل من الآخر انطلاقاً من جنسيته أو دينه أو ظرفه الاجتماعي•
سمعنا أكثر من مرة في برنامج تلفزيوني تحريضي، يفتقر إلى أبسط قواعد المهنية والموضوعية، كلمة ''الجزائر دي مين، نحن علمناهم، ونحن عملناهم''• حسناً• لو جاء هذا الكلام من البسطاء الذين لا تأثير لهم في عقول الناس وسلوكهم، لابتسمنا قليلاً وقلبنا المحطة• أما أن تقولها ممثلة (يسرا)، تنظر إليها الجماهير في 22 بلدا عربيا، على أنها نموذج يحتذى به، فهذه مسألة يجب أن تجعل الكثيرين يعيدون النظر في مفاهيمهم• هل الكلمة أصبحت رخيصة وغير مسؤولة إلى هذا الحد؟ أعتقد ذلك•
لم تكتف الممثلة بهذا الحدّ، بل احتدت وتحدت وتوعدت الجميع بأن مصر ستكون المارد ولا أحد يستطيع هزمها• وتابعت خطابها الانفعالي: ''نحن هوليوود الشرق• نحن الثقافة• نحن البلد العربي الوحيد الذي نال جائزة نوبل• نحن لدينا كل شيء، والآخرون لا يملكون شيئاً، لهذا السبب يغارون منا• سينمانا عمرها مئة سنة• مين دي الجزائر؟ لا شيء! مصر هي البلد الوحيد المذكور في القرآن، وهي بلاد الله المختارة''•
في هذا الصراع العبثي، لم توفر العنصرية أحداً من شرها، وترجمت أحياناً بالتهديد بالقتل: إذ ذهب ''فنان'' آخر إلى أبعد من مجرد السبّة، مصرحاً بأنه إذا لمح جزائرياً في الشارع أمامه فسيقتله ويستشهد•
الهزيمة هذه فضحت ما كان يجب أن يُفضح منذ زمن بعيد• وتدحرجت الهالة الكبيرة التي فوق بعض رموز السينما المصرية• للمرة الأولى أسمع شتائم في حق هذه السينما على ألسنة الذين كانوا يفرشون أمامها السجادة الحمراء، في الأمس فقط•
في مهرجان وهران مثلاً، ما كان يثير السخط هو الإهتمام المتزايد المعطى لنجوم السينما المصرية• اليوم الجميع يتحدث عن تطبيع ومقاطعة وكلام كبير• لا المصريون يريدون الذهاب إلى المهرجانات الجزائرية (أصلاً ليس هناك إلا عدد قليل منها) ولا الجزائريون في نيتهم نسيان ما قيل عنهم من النخب الفنية، ويؤكدون أنهم لا يحتاجون إلى مسلسلات وأفلاما من ''بلد المليون راقصة''• شيء مضحك أن يحتاج البعض إلى مباراة كرة قدم ليهذب ذائقته الفنية فجأة• فهل يأتي يوم يحتاج فيه الجزائريون إلى مباراة أخرى مع مصر كي يقولوا لعدوهم الجديد أن ليس في سينماهم إلا 20 فيلماً تستحق المشاهدة؟ أياً يكن، تاريخ من الوهم والخطب الرنانة والقومية تنزلق على قشرة موز•• ولا أحد يضحك هذه المرة!
هوفيك حبشيان•
يومية النهار اللبنانية (بيروت ) الجمعة 27 نوفمبر 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.