لقاء ثنائي موسع بين وزير الداخلية ونظيره التونسي    مسؤول أممي: الوضع في غزة يزداد سوءا مع استئناف الغارات الجوية الصهيونية    الرابطة الأولى "موبيليس": مباراة دون جمهور لشباب بلوزداد ومعاقبة مدربه راموفيتش    نسيج وجلود: رقم أعمال المجمع العمومي "جيتكس" يرتفع ب15 بالمائة في 2024    السفير النيبالي يؤكد سعي بلاده إلى تعزيز التعاون مع الجزائر    ربيقة يشرف على مراسم احياء الذكرى ال63 لعيد النصر بساحة المقاومة بالجزائر العاصمة    افتتاح الطبعة ال14 لمهرجان ليالي الإنشاد والمديح بسكيكدة    الذكرى ال63 لعيد النصر: تنظيم ندوة فكرية حول تجليات عيد النصر في المخيال الأدبي والفني الجزائري    مندوب فلسطين في الامم المتحدة: الشعب الفلسطيني يقتل عشوائيا في غزة    الجيش الصحراوي يستهدف نقطة إنذار لجيش الاحتلال المغربي بقطاع حوزة    مونديال-2026/بوتسوانا-الجزائر: أول حصة تدريبية للمنتخب الوطني بغابورون    الجزائر ستظل دائما وفية لمبادئ وقيم الاتحاد الإفريقي    19 مارس و19 سبتمبر أين الحقيقة ..!؟    اتخاذ إجراءات ضد 53 مستورد للمورد    الجامعة منخرطة بقوة في الأهداف التنموية للبلاد 2024- 2029    فتح 2000 مطعم وطنيا لتقديم وجبات للمحتاجين وعابري السبيل    تفكيك شبكة دولية منظمة تتكون من 11 شخصا    شكلت نموذجا يحتذى به على المستويين الإقليمي والدولي    الدولة تواصل حشد الطاقات لتأمين المصالح العليا للبلاد    الجزائر شامخة وسيدة في قراراتها    المخزن يسحق حقوق مواطنيه لخدمة المضاربين العقاريين    المصادقة على مشروع النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني    إنجاز هياكل تربوية تستجيب لمتطلّبات جودة التعليم    رفع العراقيل لتسليم المشاريع قبل نهاية السنة    هذه خصائص تطبيق "Retraite Dz"    "مطلوع الطاجين" الوهراني زينة مائدة الإفطار    سواك "أتيل" عوض معجون الأسنان    دعوة لإنشاء مجلس أعلى للوقاية من الحوادث    إرساء صناعة وطنية حقيقية للسيارات    الجزائر تُدين انتهاك الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار بغزة    هل حافظت "طيموشة 3" على التألّق نفسه؟    عمورة ضمن أفضل الهدافين في "البوندسليغا" هذا الموسم    غيابات بالجملة في صفوف "الخضر" والخيارات تتقلص    حمل الألوان الوطنية حلم تحقق    بهجة رحال ونوري الكوفي نجما النوبة    53 مُستورداً للموز يُمنعون من الاستيراد نهائياً    الجزائر ترفض لغة التهديد    الشرطة تُحسّس..    18 ألف مخالفة تجارية خلال نصف رمضان    الحويني في ذمة الله    وهران : مسرحية "باغي نشيع" لمحمد ميهوبي تسلط الضوء على ظاهرة السعي وراء الشهرة عبر الانترنت    تصفيات كأس العالم 2026/بوتسوانا- الجزائر: "الخضر" يحلون بغابورون    استدعاء مدافع نادي غانغون الفرنسي،ناير،للتربص    هل الشعر ديوان العرب..؟!    إحباط عملية ترويج 4300 وحدة من مؤثرات عقلية    أول رحلة للحجاج في 10 ماي المقبل    الشيخ عبد القادر الجيلاني.. أحد أشهر الأئمة الأقطاب    نحو رفع مساحة المحيطات الفلاحية المسقية    جاهد لسانك بهذا الدعاء في رمضان    الشباب والاتحاد يتعادلان    هذا موعد أول رحلة حج    حماية الأجيال الناشئة من الوقوع في آفات تضر بالمجتمع    12 مطارا و150 رحلة لنقل 41 ألف حاج    الشروع في عملية حجز تذاكر السفر للحجاج : انطلاق أول رحلة نحو البقاع المقدسة يوم ال10 ماي المقبل    الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة    فضل الجلوس بعد صلاة الفجر    الجزائر تتجه لتوطين صناعة الدواء بمختلف الأصناف    الحقن وطب الأسنان لا يفسدان الصيام والمرضع مخيَّرة بين الفداء أو القضاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتبهوا يا عرب.. فالإسرائيليون اقتربوا من خط الوصول..
نشر في الشروق اليومي يوم 01 - 12 - 2009

لو وضعنا أمامنا خريطة العالم العربي، وتأملناها بنظرة استشرافية عميقة، وعالجناها بعقلية مجردة من كل تعصب ونرجسية وشوفينية؛ لاكتشفنا لا محالة المخاطر التي تنتظرنا وتهددنا جميعا..
*
*
ولو فكرنا بوعي وحنكة وإدراك؛ في توقيت الزيارة التي قام بها بيريز إلى القاهرة؛ لفهمنا مضمونها، ولتنبهنا إلى مغزاها ومرماها..
*
ولو راجعنا أنفسنا، وعدنا بهدوء وروية إلى من بدأ هذه الحملة الجهنمية، وأجج نارها الشيطانية؛ لعلمنا أنها حركت بأصابع شريرة امتدت إلى مصر من خارجها.. فحركت عرائس ((القراقوز)) بخبث متناهٍ، ودهاء مريع؛ من أجل إثارة حمم الشر، والقضاء على الأخضر واليابس في مصر، والبلاد العربية قاطبة..
*
ولو قرأنا تاريخنا القديم والحديث، واستخلصنا العبر من صفحاته؛ لما غرقنا في هذه الأوحال الكريهة المتعفنة.. ولعلمنا أن أي قطيعة بين المغرب العربي ومشرقه؛ سينجر عنها كوارث لا تحصى؛ تقضي على كل حلم وردي للعرب والمسلمين..
*
ولو درسنا العوامل الجغرافية المستقبلية التي ستحدث؛ بدءاً بالنصف الأخير من هذا القرن؛ لتبين لنا سخفنا، ومدى انحطاطنا الفكري؛ بل والذهني..
*
وهكذا؛ فما ذكر أعلاه لا يعدو كونه سوى بعض العلامات والمؤشرات المستقبلية؛ المنذرة بيوم لا تقوم فيه للعرب بعدها قائمة أبداً.. ولكي نستجلي الأمر شيئا فشيئا ونفهمه بوضوح؛ أقول:
*
العالم العربي الآن مقسم إلى مشرق ومغرب؛ تحتل مصر موقعا جغرافيا يتوسطه؛ بحيث ينقسم المشرق والمغرب في ذلك الموضع الجغرافي المؤثر.. إذن؛ فهذا الموقع شديد الحساسية، عظيم التأثير. لذا فقد خطط العدو كما يبدو للفصل بين الضفتين؛ باصطناع بحر متلاطم بأمواج عاتية من الكراهية والحقد المتنامي.. وبذلك تنقطع الصلات بين المشرق والمغرب..
*
وليس هذا غريباً، أو بعيد التحقيق.. كما أنه ليس ضربا من الخيال؛ لأن هذا السيناريو تحقق بالفعل بواسطة الدول الكبرى؛ حينما زُرِعَتْ إسرائيل في نقطة تمكن من قطع التواصل الجغرافي بين المشرق والمغرب.. ففلسطين كما هي الآن تحت الاحتلال الإسرائيلي سُطِّرت حدودها لكي تكون سداً منيعاً، وحاجزاً فاصلاً بين عرب المغرب وعرب المشرق؛ في وقت كانت مصر ضمن مجموعة المغرب..
*
وهذه الخطة الجهنمية شرع الآخرون في تحقيق بنودها خلال وبعد الحرب العالمية الأولى؛ وانجلت صورتها ووضحت للعيان بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة .. حينها كان العرب مثل ما هم عليه الآن ((نائمين في العسل)).. إذ لم يكن آباؤنا التعساء يؤمنون بنظرية المؤامرة.. لذا فقد سقطوا في فخ المؤامرة المنكرين لها أصلاً.. والغريب أن السيناريو نفسه يتحقق في هذا العصر الرديء؛ ولكن بشكل أكثر حداثة وتجدد.. لقد استطاع الأعداء الأذكياء تسويق نظريات جديدة قديمة تنفي نظرية المؤامرة وتسخر ممن يؤمن بها.. فاشتريناها دون تردد؛ لأنها أفكار مستوردة من أولياء الأمور الأجانب، ومن سادة العالم المتحضر.. ولما تأكد الآخرون أن ضحاياهم الجدد اطمأنوا لنظرياتهم شرعوا في تطبيق خطتهم.. فطبقت بأيدي أهلنا وإخواننا..
*
والجديد في هذه الخطة الجهنمية؛ أنها أدخلت تعديلات؛ على النطاق الجغرافي السابق؛ إذ تبين أن فلسطين وحدها لم تعد صالحة للفصل بين المشرق والمغرب. وذلك بحكم التطور الحاصل في وسائل الاتصال، والطفرة التكنولوجية في الأسلحة القتالية.. ففي السابق كانت وسائل الاتصال شبه بدائية؛ يكفي توفر كيلومترات قليلة لكي تعيق أي حركة أو اتصال مباشر وغير مباشر.. كما أن أسلحة ذلك العصر تعتبر الآن لعباً تصلح للتسلية.. إذ لم تعرف آنذاك الطائرات النفاثة الحديثة، ولم تظهر الصواريخ العابرة للقارات، ولا الأقمار الصناعية.. لذا فقد وجد الذين يتربصون بنا؛ أن الحاجز الفاصل يتطلب التمدد والاتساع؛ وعليه فلا يكون ذلك إلا باحتواء مصر وإدخالها في الدائرة المسيطر عليها كليا..
*
طبعاً هذا الكلام؛ لا يعجب بعض المصريين؛ وربما يمتعض منه أغلبهم.. ولكن أقول قولي هذا لعلهم يفقهون؛ ولا يهم رضاؤهم أو سخطهم؛ لأني أرى ما لا يرون؛ وأستشعر ما لا يحسون به.. والغريب أن معظمهم نسي أو تناسى حلم الصهاينة في بناء دولة تمتد من الفرات إلى النيل.. فعين إسرائيل مفتحة على مياه النيل؛ لأن مياه فلسطين ستنفد بعد حين؛ وعليه فأعينهم تتطلع باستمرار إلى مياه يمتلكها غيرهم.. يملكها أناس ضعفاء، وغلابة..
*
ولما وجدوا في إيران قوة عظيمة؛ لن تمكنهم من مياه دجلة والفرات؛ لم يبق أمامهم سوى المصريين الضعفاء المساكين.. وهنا وجب علينا جميعاً فهم تخوفهم من إيران؛ وتحريض الغرب وأمريكا عليهم في هذه الأيام.. والأمر المضحك؛ أن مصر تقف الآن في خندق واحد مع إسرائيل ضد إيران.. بينما لا تبادلها إسرائيل هذه الرؤية؛ إذ ترى أنهما معاً من الأعداء؛ الواجب تجريدهما من عوامل القوة لديهما..
*
وإذا تحقق هذا؛ فسيكون المصريون أكبر الخاسرين.. وسيغدون ضحايا لأخطر استعمار حَدَثَ في وجه الأرض.. لأن المستعمرين الجدد هذه المرة غير البريطانيين أو الفرنسيين؛ بل ستكون هي إسرائيل الحاقدة دينيا وحضاريا على مصر؛ فالحقد الدفين هنا يمتد إلى الزمن الذي خرج فيه موسى عليه السلام من تلك الديار، وتحريرهم من الاستعباد المصري القديم؛ لذا فهم يتطلعون إلى الثأر التاريخي، وإخضاع مصر والتحكم في مقدراتها.. وهنا سيتحقق مرة أخرى ما يردده المصريون التعساء الآن؛ حين يكررون قوله تعالى: ((ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)).. لم لا..؟ ألم يكونوا سادة لمصر أيام يوسف عليه السلام..؟
*
لذا وجب عليّ تحذير المصريين من مخاطر هذه الحملة الحمقاء ضد الجزائر والشعب الجزائري بالتحديد؛ وأقول لهم: ستكون مصر هي الخاسرة في هذا؛ لأنها ستبقى وحدها هذه المرة.. وسيحدث ذلك عندما تمتد يد إسرائيل إلى مياه النيل؛ التي سيشح تدفقه في المستقبل، وستتضاءل مياهه حتى على السودانيين والأوغنديين، والإثيوبيين.. وعندها ستشارككم فيه إسرائيل بالقوة والقهر إذا اقتضى الحال ذلك.. ولن تجدوا من يقف معكم؛ كما سبق أن وقفت الجزائر معكم سنة 1967 وسنة 1973..
*
وطبعاً؛ فالإسرائيليون يقرؤون التاريخ جيداً؛ ويستفيدون من العبر المستوحاة منه.. ويعرفون أن البلدان المغربية؛ تعتبر بمثابة الامتداد الإستراتيجي لمصر؛ والعمق الحيوي والأمني الذي يحمي ظهرها، ويشد أزرها عند المحن.. وقد حدث ذلك في حربي 1967، 1973.. وعلى هذا فقد اقتضت خطتهم بناء سد شاهق من الكراهية والحقد بين الشعبين: الجزائري والمصري.. أقول بين الشعبين؛ لأن هذا سيقطع الصلات الأخوية، والروابط المتينة تماما؛ وليس كما يحدث بين الحكومات؛ التي تتخاصم فترة وتتصالح فجأة.. لا.. فالعودة لن تحدث إذا تعمق الخصام بين الشعبين..
*
وقد نجح الأعداء طبعاً في تحقيق الاختراق، وتفكيك الروابط بين الشعبين.. حدث ذلك وبكل صراحة في مصر؛ لأن مصر بلد مفتوح أمام الإسرائيليين؛ ويشهد على هذا أفواج السائحين منهم في مصر، وأعداد الجواسيس المنتشرين هناك؛ وهذا ما تثبته أخبار القبض على أعداد منهم في تلك الديار بين الحين والآخر..
*
وعلى هذا.. نسمح لأنفسنا بالاتصاف بحسن النية ولو لبعض الوقت.. ألا يمكن أن يكون الذي ضرب الفريق الوطني الجزائري أحد عملاء إسرائيل.. كي تشتعل نيران الفتنة..؟ فإذا وضعنا هذا الاحتمال كما يحلو لبعضهم ترديده لماذا أصرّ المصريون بكل تعنت وتلفيق نكران الحادث.. بل تجرأوا بكل وقاحة وصفاقة؛ فوجهوا تهمهم للجزائريين المصابين أصلاً بجروح؛ فقالوا: أنهم كسروا نوافذ الحافلة من الداخل.. وقالوا أنهم صبوا على وجوههم ورؤوسهم ((صلصة طماطم)).. عجيب هذا..!!!
*
وهل أحضروا معهم الحجارة في حقائبهم من الجزائر..؟!!! وهل جلبوا معهم عصير الطماطم لفعل هذا..؟!!! وكيف سمح المصريون لأنفسهم توجيه تهم باطلة؛ تضيف ألماً على ألم الجزائريين في جروحهم الدامية؛ حين زعموا بوقاحة لا نظير لها أن الجزائريين لفقوا هذا السيناريو؛ و(فبركوه) بنية الإساءة إلى مصر.. ليس أمامي هنا سوى ترديد: لا حول ولا قوة إلا بالله..
*
ولم ينته الأمر عند هذا؛ بل حَبَكَ المصريون حملتهم ضد الجزائر إعلاميا وتعبوياً؛ بغرض التأثير النفسي على الفريق الجزائري.. فتماطلوا وتثاقلوا؛ في سيرهم بالحافلة المقلة للفريق الجزائري نحو الملعب؛ إذ تجولوا بهم في شوارع القاهرة التي كانت شبه فارغة بسبب المباراة؛ فأوصلوهم إلى الملعب خلال ساعة تقريبا؛ وقد رأينا كيف يصفر الجمهور المصري المكون من 80 ألف مشاهد تغطية على عزف النشيد الوطني الجزائري.. ورأينا أبناءنا من أنصار الفريق الجزائري منبوذين في أقصى البقاع من الملعب، وأبعد موضع فيه.. بحيث لا يصل صوتهم إلى الميدان؛ وبذلك لا يعلو أي صوت عن صوت معركة المصريين الخبيثة..
*
وهذا في حد ذاته؛ أكبر الأسباب في غضب المسئولين الجزائريين والشعب الجزائري بكامله.. لأن المصريين هنا أثبتوا أنهم يجهلون نفسية الجزائريين؛ الذين لا يكرهون شيئا كما يكرهون الظلم والكذب و(الفوخ والزوخ).. وعليه فقد اشتد حنقهم، وازدادت محركات العناد لديهم.. ولم يكتف المصريون بذلك كله؛ على الرغم من كسبهم الجولة؛ بل تعرضوا لأنصار الفريق الجزائري بالضرب والتنكيل في شوارعهم.. مع أننا شاهدنا في محطاتهم التافهة كيف كان المناصرون الجزائريون يحملون العلمين: الجزائري والمصري معاً.
*
وطبعاً؛ فالمصريون بحكم (الجينات) الوراثية لديهم؛ لم يتغلبوا على غرورهم، ولم يرتدعوا عن كذبهم وسحتهم؛ حيث تمسكوا كبيرهم وصغيرهم بغيِّهم وتعنُّتِهم.. وهكذا حدث الانفجار، وتحققت أمنية الصهاينة في القطيعة النهائية بين الجزائريين والمصريين.. لأن القطيعة هذه المرة لم تستثن أحداً.. قطيعة فصلت بين شعبين.. قطيعة لم تكن بسبب مباراة كرة القدم كما يعتقد بعضهم.. بل هي قطيعة بين النور والظلام.. بين الحق والباطل.. بين الصدق والبهتان..
*
وأصبح قادة البلدين مكبلين وعاجزين عن أي مبادرة للصلح؛ لأن شعبيهما في حالة غليان؛ ولا يقبلان الصلح في ظروف مشحونة كهذه.. وعلى هذا فقد حصد المصريون ما زرعوه من بذور الكذب والتجني والغرور.. لأنهم سيكونون الخاسر الأكبر كما ذكر.. خاصة وأن الجزائر ليست في حاجة إلى المصريين في شيء؛ كما يتوهم المغرورون منهم.. وليس لدينا استثمارات تذكر في مصر نخاف عليها؛ كما هو حالهم، ولا تتواجد مؤسسات جزائرية في أرضهم نخاف عليها؛ أما الطلبة الذين يزاولون دروسهم في تلك الديار بمقابل مالي يسددونه للمصريين؛ فنحن سنتكفل بهم؛ خاصة وأن أعدادهم قليلة..
*
أما الحكاية الغريبة المضحكة التي تثبت غباء بعض المصريين؛ خاصة أولئك من أدعياء الثقافة والفن عندهم؛ فهو إعلانهم عن مقاطعة النشاطات الفنية والسينمائية الجزائرية.. وقد حقق تصريحهم هذا ما كنا نتمناه؛ ولم نعلن رغبتنا هذه؛ خوفاً من تأويل ذلك واتهامنا بأننا ضد العروبة، وضد الثقافة العربية.. والحمد لله الذي حقق لنا أمنيتنا بأيدي بعض المصريين الحمقى أنفسهم.. لأن هذه العلاقة الفنية الثقافية عرجاء؛ تمشي برجل واحدة..
*
ونحن هنا نتساءل: هل سبق أن رأيتم في قناة مصرية مسلسلا أو فيلما جزائريا..؟ هل سمعتم في قنواتهم وإذاعاتهم مطربة جزائرية أو مطرب بلهجتنا؛ باستثناء ما نراه الآن حين استضافوا بمضض واستهجان الشاب خالد في حماية مطربهم النوبي الأصل؛ المهاجر محمد منير.. إذن فهم الرابحون في علاقاتهم الثقافية والفنية مع الجزائر.. إذ حين يأتون عندنا؛ يعمرون جيوبهم بالدولارات؛ مقابل حزمة من التفاهات والسخافات..
*
وعليه؛ فلا لوم بعد هذا علينا؛ لأن البديل والحمد لله متوفر ولا عناء في البحث عنه.. فهو موجود أولا وقبل كل شيء في الجزائر؛ حيث يتطلب منا التفاتة جادة لما تستحوذ عليه الجزائر من إمكانات فنية هائلة؛ ومن مواهب فذة أهملناها؛ واكتفينا بما يأتينا من الخارج.. لقد تركنا مبدعينا في مجالات عديدة: السينما والمسرح والموسيقى والغناء والرسم، والنحت وغيره؛ ولم نعطهم ما يكفي من الدعم والتشجيع.. وانسقنا مع تيار استيراد الغث ولا السمين من الخارج..
*
ولاستكمال ما ينقصنا؛ علينا بالتعامل أولاً مع البلدان المغرب العربي كلها، ثم سوريا ولبنان والعراق وبلدان الخليج.. بالإضافة إلى تكثيف عمليات الدبلجة؛ للاستفادة من الأفلام العالمية. وبذلك نتخلص من عاهة خلقية اسمها الأفلام والمسلسلات المصرية؛ التي تنشر الرذيلة، وتبث الفساد بين الشباب.. إذ يمكن حصر توجه المصريين في أفلامهم ومسلسلاتهم كلها ضمن: نشر الجنس والإباحية، والترويج للمخدرات، وبث روح السفه والدعارة.. وهذا كله يتجلى في مسلسلاتهم وأفلامهم؛ بحيث لا يمكن مشاهدة فيلم أو مسلسل مصري؛ دون راقصات، ودون عري، ودون فعل منافي للأخلاق في غرف النوم؛ ودون شاربي الحشيش.. حتى أساؤوا إلى شعبهم، وأظهروه في صورة سلبية؛ توحي للمشاهد أن هذه الظاهرة عامة ومنتشرة بشكل واسع بين أفراد الشعب المصري.. وهذا يتنافى مع قيم شعبنا الجزائري؛ إذ يتجنب كثير منهم مشاهدة الأفلام المصرية، ويهربون إلى المسلسلات السورية..
*
المهم؛ أن علينا خلق ظروف أخرى للتواصل بيننا وبين إخوتنا في المشرق العربي؛ والنظر في الكيفية التي نحقق بها ذلك؛ لأن البلدان العربية كما يبدو أخذت تتململ وتتضايق من سلوك المصريين؛ ومن تبجحهم، وغرورهم الجنوني.. خاصة بعد أن أضحت لديهم قدرات تفوق قدرات المصريين في: الآداب والعلوم والفنون.. حيث لم يعد الخليجيون يطيقون التطاول عليهم بالمَنّ، أو التعالي عليهم بماضٍ اندثر..
*
كما أن اقتراب المصريين من إسرائيل؛ لا يرضي بقية العرب؛ حتى وإن كتموا اعتراضهم.. ومن جهة أخرى لم يعد العرب في حاجة إلى مصر؛ بل يعتبر هذا البلد هو المحتاج إليهم؛ بسبب ضعفه وتهاونه وهزاله وتراخيه أمام العدو؛ الذي استفحل واستقوى على مصر؛ وبذلك أضحى محل تهديد للعرب كلهم.. في غياب ما يسمى ب((الأخت الكبرى)).. لقد محي هذا اللقب من قاموس العرب تماماً؛ خاصة بعد وفاة عبد الناصر؛ الذي قبل العرب بزعامته؛ لأنه يستحقها؛ بفضل غيرته عليهم، وحماسه في الذب عنهم، وحمايتهم من تحرش الأعداء بهم.. والآن فما الذي يلزم العرب بالاعتراف بزعامة مصر.. فما الفائدة من مصر المتخاذلة.. مصر المنبطحة.. لقد بدأ الشك يتسرب إلى العرب بدءاً بحرب إسرائيل ضد لبنان؛ ولكن الصورة المخزية وضحت وتكاملت تماماً خلال حرب غزة؛ حين تبين عجز مصر التام أمام العدو.. بل أضحت أداة يستخدمها هذا العدو ضد الفلسطينيين أنفسهم؛ بحيث تنفذ أوامره وتعليماته؛ فإذا قالت إسرائيل: افتح معبر رفح؛ فُتِح.. وإذا قالت لا؛ قالت مصر: ((تمام أفندم))..
*
هل رأيتم خنوعا كهذا..؟ وهل تخيلتم مهانة كهذه.. هذا هو الذي جعل الشعب الجزائري أكثر استعدادا للانفجار ضد مصر.. وهذا هو الذي ضاعف كراهية مصر في نفوس الجزائريين.. وكان يكفي أي شرارة ولو كانت خافتة لكي تفجر الطاقة الكامنة في نفوس الجزائريين ضد مصر.. وازداد الأوار غليانا، وتضاعفت الكراهية وتنامت بعد مباراة الخرطوم.. إذ رأينا جميعاً؛ نماذج ممن يضعون أنفسهم زوراً؛ ضمن فئة المثقفين والفنانين؛ رأيناهم يشحنون الشعب المصري بأكاذيب ومزاعم واهية؛ كذبها أصحاب الدار أنفسهم؛ كذبها وفندها السودانيون الساهرون على أمن وطنهم..
*
سمعنا بعضهم يبحث عن كرامته المهدورة في الخرطوم.. بينما نسوا أن كرامتهم ضاعت منذ زمن بواسطة إسرائيل؛ وسمعنا بعض الحالمين المهووسين يطالبون بالقصاص وتأديب الجزائريين..!!! ولكنهم لا يجدون سبيلاً لذلك.. وسمعنا بعضهم يستجدي في أقل الأحوال و(أضعف الإيمان) اعتذارا من الجزائر.. مع أنهم نسوا أن الأجدر بالاعتذار هي مصر؛ بحكم أن ((البادئ أظلم))؛ حيث تعرض فريقنا الوطني للعدوان.. وضرب الجزائريون وروعوا في القاهرة.. ودنس علم المليون ونصف مليون شهيد؛ من قبل المنسوبين إلى رجال القانون، والمتطفلين على الثقافة وأهلها.. والأدهى والأمر؛ أنهم حاولوا الاستقواء على جيرانهم السودانيين؛ بالضغط عليهم، وتهويل الأمر في وجوههم.. وهذا يذكرني بقول الشاعر العربي عمران بن حطان:
*
أسد علي وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر
*
هذه هي مصر في هذا الزمن الرديء.. فمصر اليوم للأسف أصبحت رهينة في يد أسرة تسيرها كيفما شاءت؛ تقودها إلى المجهول فتنقاد.. وهذا ما تبين لنا أخيراً.. إذ لاحظنا أن أسرة الرئيس أصبحت تسير دولتهم؛ دون أن تكون لهم صفة رسمية.. لقد عرفنا في الماضي ممالك قاهرة متسلطة على الشعوب؛ ولكنها احترمت قواعد سياسية معينة؛ التزمت بها.. فابن الملك آنذاك لم يكن يتدخل في شئون الحكم ولا يتحكم في الشعب؛ ولا يحق له ذلك؛ إلا إذا حظي بمرتبة معلنة، وخطة رسمية مقننة؛ كولاية العهد مثلاً؛ حيث تتم بظهير أو مرسوم يشعر الناس بذلك.. بينما نرى الآن ولدي مبارك يسيران الحكومة بكاملها، ويأمران وزراء الدولة بشكل غير دستوري.. ويتكلمون في الفضائيات عن دول أخرى، ويسيئون لرؤسائها.. سمعت مرة رسالة استنجاد من قبل قافلة محملة بمعونات إلى غزة؛ بقيت في بور سعيد أكثر من شهر مجمدة.. فلم يجد قائد القافلة منجدا في مصر كلها سوى زوجة مبارك؛ فرفع تضرعه لها بالتدخل والسماح للقافلة بالمرور؛ وبالفعل حدث ذلك إذ سمح للقافلة بالانطلاق.. ولم أجد ما أقوله للمصريين سوى: أليس فيكم رجل رشيد..
*
ما هذا..؟ هل وصل الحال بمصر إلى هذا الحد..؟ هذا ليس توريثاً أو شروعا في التوريث؛ بل هو اغتصاب علني للسلطة في مصر.. وهذا السلوك في حد ذاته سيتدحرج بمصر إلى حافة الهاوية، ويضعها في طريق مجهول النهاية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.