يبدو لي أحيانا كثيرة، وأنا أعاين المشهد الإعلامي في الجزائر، أن مصطلح الصحافة الصفراء أصبح متجاوزا، بالنظر إلى أن الظروف والسياقات التاريخية التي أدت إلى إطلاق هذه التسمية أصبحت في حكم الماضي، وما حدث من مستجدات يؤدي بنا إلى البحث عن تسميات أخرى تفي بالغرض بما يجعلها أكثر مطابقة لواقع حال صحافتنا، وأكثر تعبيرا عن الصورة التي وصلت إليه وفي حال البحث عن توصيف لوني لحال الصحافة الجزائرية، فإن أقرب لون يتبادر إلى الذهن هو الصحافة الحمراء، بالنظر إلى أن صحافتنا تجاوزت الشائعات والإثارة المجانية لما عرف بالصحافة الصفراء إلى ما هو أسوأ واقعا، وأكثر خطرا على المجتمع والقراء.. لقد دشنت العشرية الدموية بداية هذه المرحلة الحمراء في صحافة بلادنا، حيث كانت الإغتيالات والمجازر والإنفجارات هي المادة الخام لعناوين بعض الصحف التي بنت مجدها على مآسي تلك المرحلة.. و إذا كان ذلك أمرا طبيعيا في مرحلة تميزت بإراقة الكثير من الدم، واصطبغت بلونه الأحمر، فإنه ليس من الطبيعي أن تمتد تلك المرحلة حتى بعد انتهاء المرحلة، لتحل محلها حمرة من نوع آخر، ودم آخر. فلا تكاد تخلو هذه الصحف من لون الدم الأحمر، لينتفي معها كل تعاط إيجابي مع الأحداث التي لا يسيل فيها الدم الجزائري. وكأن هذه الصحافة أصبحت أشبه ما يكون بحفار القبور الذي لا يرتزق إلا إذا عم البلاء ولا يعتاش إلا إذا كثر الأموات، ولا يمكنها أن تمارس مهامها وتبحث عن مادتها في غير“ باتواورات“ الدم ومستنقعاته، مما يقتل كل أمل، وينغص الوجود على أرض الوطن الذي لا يخلو من بصيص الأمل وممكنات الفرح. لا تكاد صحفنا اليوم تخلو من حمرة الدم بكل تجلياته سواء كان دم الروح المزهقة بشتى الأشكال، فمن قتل الإرهاب إلى إرهاب الطرقات وحوادث المرور وضحايا الجريمة وسواها.. إلى دم العذرية وحمرة الجنس، وتتبع أخبار الجريمة الأخلاقية والاغتصاب والتحرش الجنسي بالنساء والقصر من الأطفال، إلى زنا المحارم ونقل وقائع الليالي الحمراء التي تلعب فيها “الروج“ بعقول مرتادي الكباريهات، وتستباح فيها الأعراض والمحارم.. وتقديم كل ذلك بشكل يجعله مألوفا مستساغا.. إلى صحافة الخرافة والدجل والشوافات، التي يسخر فيها “بلحمر“ أخطر الجن والمردة والعفاريت من أجل الاستيلاء على أموال المغفلين والسذج مقابل بيعهم أوهام الفيزا أو الزواج أوالنجاح المزيف.. وخارج هذه المحاور الحمراء الثلاث: الجريمة والجنس والدجل، لا تجد الصحافة الحمراء شيئا آخر لتقوله للناس، لأنها لا تحسن غير الممارسة الصحافية في المياه العكرة الحمراء.. والظاهر أنها تخطت دما مجوسيا كافرا وقت العصر فأصيبت بلطمة قوية سببها “العفريت بلحمر“، وهو مس، لا تنفع معه الرقية الشرعية والإعلامية ولا مواثيق الشرف الصحفي. [email protected]