”خمسة عشر عاما تمر على رحيل عروس التلفزيون، رشيدة حمادي، في مثل هذا اليوم كنت أتأهب لزيارتها في باريس، لكن القدر شاء أن لا أراها، لأنها ببساطة استسلمت للموت مثل الفراشة الرهيفة ولم تقاوم رصاص الإرهاب الدموي الغادر الذي لم يخفها في حياتها .. في ذكرى رحيلك، يعود المشهد السوداوي بكل تفاصيله المؤلمة، وتعودين أنت معه بالصورة والصوت، مبتسمة المحيا، مستعجلة وشغوفة للسبق الصحفي .. عشقت مهنتك يا رشيدة إلى حد الموت”. هذه الكلمات لصديقتي الصحفية، وسيلة فيلالي، المقيمة حاليا بالكويت، ضحية أخرى من ضحايا المأساة الوطنية، وسيلة نشرت هذه الكلمة على صفحتها ب ”الفيس بوك”، أول أمس، في ذكرى زميلتنا وشهيدة المهنة، رشيدة حمادي. كلمة عنونتها ”أنا لا أنسى” ومع أن عنوان وسيلة كان بسيطا، إلا أنه دق في مسمعي كالموسيقى الجنائزية، فتجاوب معه جسمي بقشعريرة كتلك التي كانت تعتريني كلما سقط اسم جديد من قائمة الأصدقاء الطويلة، وأنا أيضا لم أنس يا وسيلة ولن أنسى يا رشيدة، لن أنسى يا أستاذي ومسؤولي في جريدة المساء، ياسر العاقل، حين كنت توجهني وتعلمني أبجديات مهنة المتاعب.. وكم جاء كلام السيدة الوزيرة، أنيسة بن عمر، مؤثرا وهي تعلق على ما كتبت وسيلة، وقالت ”لن أنسى رقتها، لن أنسى مهنيتها، ولن أنسى كيف كانت تتقدم في الحياة .. لن أنسى أبدا لوعة والدها ..”نعم، والد رشيدة دفن يومها عروسين، رشيدة وأختها الكبرى، التي ارتمت عليها لتحميها من رصاصات الغدر، فسبقت رشيدة بأيام في مسيرة الشهادة، أختها كانت بمثابة والدتها، فهي من ربتها بعد وفاة الأم..”. نعم، لن ننسى يا رشيدة، ولا يجب أن ننسى، وقصتك وقصص كل الزملاء الذين ذهبوا تباعا، بل وقصص كل الجزائريين الذين رزئوا في حياتهم غدرا، يجب أن تبقى منحوتة في الذاكرة، حتى لا نغدر مرتين، فتجارب التاريخ علمتنا أن التاريخ يعيد نفسه أحيانا، وعلينا أن نحترس.. صحيح أننا اليوم ننعم بالكثير من الأمان والحرية، حرية الإنسان والمهنة، وسنوات الدم والفواجع صارت خلفنا، لكن من حق رشيدة والعاقل وعلاوة وكلهم، أن تبقى جذوة الذكرى مشتعلة في صدورنا كسبيل وحيد لضمان عدم التعرض للغدر و ألا تكون هناك رشيدة أخرى تسجى وتكفن في ثوب زفافها...