خرج أمس قرابة 25 ألف مواطن بمدينة سطيف في مسيرة الوفاء، قاطعين خطوة خطوة نفس الطريق الذي قطعه أسلافهم فداء لحرية الوطن ذات 8 ماي 1945، ووفاء لتضحيات من سقطوا من أجل أن تحيا الجزائر حرة مستقلة، فضلا عن الرد العملي على تصريحات كوشنير التي تربط تمسك الجزائر بحقها في الاعتراف بجرائم الاستعمار كشرط لتطبيع العلاقات مع فرنسا وأن أجيال اليوم والغد ستحمل ذات المشعل. السطايفيون لم ينسوا المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال وميليشيات الاستعمار الفرنسي يوم 8 ماي 1945 وبعده لأيام وأسابيع موالية، والتي خلفت وراءها 45 ألف ضجية من أبناء الجزائر، حيث انطلق موكب المسيرة من أمام مسجد أبي ذر الغفاري باتجاه وسط المدينة حيث يوجد النصب المخلد للشهيد سعال بوزيد أول ضحية لتلك المجارز الرهيبة والذي سقط وعلم الجزائر المستقلة في يده. وكانت تلك المسيرة سلمية ولم تتعد هتافات المتظاهرين “حيوا الشمال الإفريقي” و”من جبالنا” وهم في طريقهم إلى نصب الشهداء لوضع إكليل من الزهور ترحما على أرواح ضحايا الحرب العالمية الثانية وشعارات سلمية مطالبة بالحرية. فأغرقت هذه الصرخة 45 ألف جزائري في حمام من الدم بسقوط الآلاف من الجزائريين العزل والمسالمين أمام بطش قوات الاستعمار مدعومة بميليشات المعمرين. وكان من بين المشاركين في هذه المسيرة، آني ستينر، المجاهدة الكبرى والمناضلة النشطة بالمنطقة المستقلة بالجزائر العاصمة، والتي بالرغم من سنها المتقدم (82 سنة) أبت إلا أن تشارك في هذا الحدث ولتعبر من جديد عن “حبها وإعجابها بكل الذين واللواتي استشهدوا من أجل أن تحيا الجزائر”، وبرفقة براعم الكشافة انحنت هذه المناضلة أمام النصب المخلد لسعال بوزيد، وقالت هذه المناضلة من أجل القضية الجزائرية والتي قضت خمس سنوات بسجني الحراش وسركاجي وعدة معتقلات أخرى “إنني متأثرة وسعيدة في نفس الوقت لأن الرجل الذي سقط في هذا المكان استشهد من أجل علم، علم واحد، واليوم أرى آلاف الأعلام حولي”. أما العياشي قطراني،71 سنة، وكان عمره في 8 ماي 1945 لا يتجاوز 6 سنوات، فقال “أتذكر على العموم أشخاصا كثيرين كانوا يركضون في كل الاتجاهات”، وأضاف “عندما كنت أجري فيها لأدخل إلى المنزل شاهدت أعدادا غفيرة من الناس على الأرض، كان هناك شاب ميت يغرق في بركة من الدم غطت برنوسه، وهي الصورة التي لا زلت أراها إلى الآن في المنام”.