تحبّذ العائلات البليدية بعد مرور يومين أو ثلاثة من عيد الفطر المبارك البدء في صيام ستة أيام من شهر شوال، لما لها من فضل عظيم كما جاء في الحديث النبوي الشريف، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر”، وذلك انطلاقا من معادلة “الحسنة بعشرة أمثالها”، فصوم رمضان يعني صيام 300 يوم، يضاف لها 6 من شوال، وهو ما يمثل 60 يوما، ليصبح في المجموع سنة كاملة. عادة الصيام يومين بعد العيد لا تكاد تخلو منها بيوت المدينة العتيقة التي تحتفظ بشيء من نكهة رمضان طيلة تلك الأيام التي قد تتفاوت بيوم أو يومين من بيت لآخر، لكنها لا تزيد عن الأسبوع في غالبها، فترى المحلات وبائعي الشربات والحلويات التقليدية وبائعي خبز الدار، يحافظون على ريتم أيام رمضان الكريم لتحقيق مزيد من الربح الذي لا نظير له إلا في شهر الرحمة. وبالغوص في أعماق العادات البليدية، نجد ربّات الأسر تعملن على تجهيز مائدة إفطار لا يقل شأنها عن تلك المتعارف عليها في شهر رمضان، بدءا بطبق الشوربة إلى غاية اللحم الحلو وما بينهما من أطباق رئيسية أخرى والكل مزين بأنواع السلطة المختلفة والأكيد الشاربات التي لا تفارق المائدة، أما الصامصة فهي خير ما يرافق فناجين القهوة، وهو ما قد يفسر تمسك غالبية البليديات بتحضير هاته الحلوى أيام العيد لما لها من رواج أيام الصيام التي تلي العيد السعيد. وتسود مدينة الورود روح تضامنية بين أفراد العائلة، فالكل صائم، ولا مكان لمُفطر، إلا من اضطرته الظروف لذلك، فالتوقيت يصبح موحدا ومن عاند أو تكاسل وقرر تأجيل الظفر بحسنات الست من شوال بحجة الإرهاق أو التعب ما عليه إلا تحمّل تبعات ذلك في وقت لاحق إذ سيجد نفسه الصائم الوحيد وقد يحن لأيام الاجتماع على مائدة واحدة. وإذا ما كان البعض يصوم مباشرة بعد العيد بقصد كسب الحسنات، فإن البعض الآخر يخشى التعود على ريتم أيام الإفطار فيصعب عليه العودة إلى نظام الصيام، فتراه لا يقبل بأي تأجيل، ويشرع في الصيام بعد يومين على أقل تقدير أو ثلاث كأجل أقصى بعد أن يكون قد أنهى كل الزيارات العائلية التي تقتضيها هاته المناسبة الدينية. وبين هذا وذاك، يبقى القول إن باب الصيام مفتوح طيلة العام من أجل كسب حسنات كل واحد منا في أمس الحاجة إليها، على أمل أن يتقبّل الله منا ومن الجميع صالح الأعمال.