الكعبة” بيت الله الحرام والمحراب المشترك لنبضات قلوب المؤمنين، وهى قبلة المسلمين، جعلها الله سبحانه مناراً للتوحيد، ورمزا للعبادة، يقول تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس} (المائدة 97)، وهي أول بيت وضع للناس من أجل عبادة الله جل وعلا {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين}(آل عمران 96) وفي هذا الوقت من كل عام يهرع المؤمنون إلى جوها الروحاني من أرجاء المعمورة بالطائرات أو السيارات أو البواخر، ومنذ بداية رحلتهم يضعون جانبا جميع مشاغلهم اليومية وجميع مشكلاتهم وأسباب قلقهم ويتخلصون منها، وبمجرد أن يلبسوا لباس الحج الأبيض الطاهر يصلون إلى درجة ونوع قريب من الملائكية يغبطون عليها. وقد خص الله تعالى البلد الحرام في كتابه العزيز بالتكريم، وذكره بأسماء عديدة بلغت أحد عشر اسماً، ومن هذه الأسماء: مكة، وبكة، والبلد الآمن، والبلد الأمين، والحرم الآمن، وأم القرى، كما أشار إليه في مواقع عديدة بأسماء أخرى، وأقسم به، وأعطاه ما لم يحظ به أي بلد في الدنيا. وعن مكانة الكعبة فى القرآن وفى قلوب المسلمين، يحدثنا الدكتور فهمي هويدي المفكر الإسلامي فيقول: شاء المولى جل وعلا أن تكون الكعبة المشرفة، والمسجد الحرام، فى مكة، وكانت لهذه المشيئة آثارها ونتائجها من حيث بناء مكة وتعميرها، وسكانها. ففي ظاهر مكة نزل الوحي الإلهي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأول سور القرآن الكريم، وتوالى الوحي بعد ذلك حتى عرفت بعض آيات القرآن الكريم بالمكية، وهي التي نزلت في مكةالمكرمة والمدنية وهي التي نزلت في المدينةالمنورة. وعلى أرض مكة وبقاعها كان جهاد المسلمين الأوائل في مواجهة الشرك والضلال وعبادة الأصنام، وفيها كان نصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، يوم دخلوها، في العام الثامن للهجرة، ظافرين منتصرين، فانتهت دولة الشرك ورفع فيها اسم الله وحده، وحطمت الأصنام واصبحت مكة آمنة. ويتجه المسلمون إلى كعبتها المشرفة في مشارق الأرض ومغاربها في صلواتهم خمس مرات في اليوم، وبالطواف حولها يبدأون حجهم، وبه ينهونه. ففى هذه الرحلة المباركة يحس معظم المسلمين بأنهم يتجولون في دهشة وذهول في سواحل عالم آخر ودنيا أخرى. ويكفى أن في هذا المكان المهيب وأثناء حجة الوداع ارتقى النبي صلى الله عليه وسلم جبل الصفا فأطل على الكعبة العظمى وهتف معلنا انتهاء الوثنية: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.. لا إله إلا الله أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده..)، ولم ينس النبي صلى الله عليه وسلم أن يوضح ولو بشكل عام حقيقة كبرى هي الطريق الذي يتعين على المسلمين سلوكه بعد غياب آخر النبوات في التاريخ قائلاً صلوات الله عليه: “أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفسه، فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم أعناق بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي”. وعلى جبل عرفات وقف النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا وراح يوضح للمسلمين ثقافة الإسلام ومبشرا بعهد السلام: “أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فاني لا ادري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.. إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا”. فمن تلك البقعة المباركة، أسس الرسول الكريم لعهد جديد يسوده السلام والمحبة والوئام: “من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.. وإن ربا الجاهلية موضوع، وان أول ربا أبدأ به هو ربا عمي العباس ابن عبد المطلب، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن دماء الجاهلية موضوعة، وان أول دم ابدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. وختم كلامه الشريف قائلا: “ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد”.