الأسعار العالمية للمواد الغذائية تواصل ارتفاعها (القمح، الحليب، السكر، الزيوت)، وفي العاصمة الجزائر هناك شبه هلع، ولنا أن نتصوّر حالة الفوضى الغذائية للجزائريين في حال انخفاض جدي للمعروض العالمي للمواد المذكورة. والأخطر سيكون، في حال تعرّضت الجزائر إلى حصار غذائي لسبب من الأسباب. من قال إننا نملك سيادتنا في المجال الغذائي؟ جميع المتخصصين في المسائل الزراعية، يجمعون على أن الجزائر تعاني من تخلف معتبر في معالجة المسائل المتعلقة بالزراعة، وأنها تحتاج إلى ثورة زراعية (البحث الزراعي، البذور المنتقاة، المكننة المناسبة، الأسمدة...) فضلا عن الضعف الواضح في مجال الأراضي الزراعية (أضعف من تونس والمغرب). إن الزراعة الجزائرية تخسر المزيد من الأراضي بسبب نقص المياه، كما أن إصلاح الأراضي الذي يسمح بالحد من الأضرار غير موجود. وبالإضافة إلى هذه الصورة السوداوية، التهام الخرسانة للأراضي الزراعية. ويذكر في هذا الصدد البروفسور أيت عمارة، منذ مدة، أنه على سلم تصنيف من 0 إلى 9 للدول التي تستطيع تغذية شعوبها من أراضيها، فإن الجزائر مصنّفة في المرتبة السابعة!! نستطيع الإشارة دون خطر وقوعنا في الخطأ، أنه إذا كان هناك قطاع اتخذ بشأنه "صنّاع السياسات" بالجزائر سياسات خاطئة تماما، فهو القطاع الزراعي. اليوم نجد أن البرنامج الوطني للتنمية الزراعية، أصبح عاريا تماما، بسبب تراجع القدرة الشرائية الغذائية التي يعانيها الجزائريون. إن البرنامج المذكور والمكلف جدا، تم إطلاقه وسط ترويج إعلامي رهيب، حدد هدفين رئيسيين، اعتبرهما استراتيجيين: 1 تعزيز الميزان الزراعي للبلاد: بمعنى توجيه الإنتاجية الفلاحية نحو التصدير(يجب أن نتذكّر جميعا تصريحات وزير القطاع الفلاحة السابق: "اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لا يخيفنا.. لأن منتجاتنا الزراعية تنافسية، ولهم حصتهم في السوق الأوروبية؟!"، فضلا عن ذلك:"سنكون تنافسيين في مجال الزراعات البيولوجية"، وأيضا: "نستطيع كسب رهان الزراعات المبكرة...". 2 الهدف الثاني الذي ينشد البرنامج تحقيقه، يتمثل في تحسين مداخيل الفلاحين. بمعنى، تشجيع هؤلاء على التوجه نحو النشاطات الفلاحية الأكثر مردودية والأعلى سعرا في السوق. هذه الأهداف، لا يمكن تحقيقها سوى عن طريق مخطط جديد لشغل الأراضي، الذي يضحي بالهدف الاستراتيجي الرئيسي وهو الأمن الغذائي (بدون ضمان التوازن الفلاحي، والانفجار المنتظر لصادراتنا الزراعية). إذن فإن العجز في مجال الحبوب والحليب والسكر والبطاطا، سيرتفع أكثر فأكثر، وسيكون ثمنه مرتفعا جدا، وسيكون أغلى مستقبلا. كيف سينظر إلى الحل المطروح اليوم، الذي يتمحور حول الاستيراد المبالغ فيه للأبقار الحلوب، في الوقت الذي تقوم فيه الحكومة بتشجيع زراعة البطاطا، والزراعات المبكرة؟ أين هي الزراعات العلفية الضرورية لتغذية هذه الحيوانات؟ وأين هي الأراضي التي يجب تخصيصها لذلك؟ أم يتطلّب الأمر تخفيض المساحات الخاصة لزراعة الحبوب؟ أما مجمل منتجي الحليب الجزائريين يصرخون أن تغذية الأبقار أصبحت مكلفة جدا، والمستوردة كليا. إن الفاتورة الغذائية للجزائر بلغت 3.6 مليار دولار، سنة 2007 (خارج واردات مدخلات الإنتاج الزراعي) هذه الفاتورة كانت تقدر ب3 ملايير دولار سنة 2002 و2.5 مليار دولار سنوات التسعينيات، و1 مليار دولار سنوات السبعينيات، وبطبيعة الحال، فإن هذه الفاتورة ندفع مقابلها من صادرات المحروقات، وبوتفليقة، كان على حق عندما قال إن الجزائريين "يشربون بترولهم ويأكلون غازهم". إن المستقبل الغذائي للجزائر سيكون أكثر سوداوية، عندما نعلم أن الزراعة العالمية تتجه نحو ثلاثة أهداف متنافسة. 1 ضمان الغذاء. 2 إنتاج الوقود. 3 الحفاظ على التنوع البيولوجي. وعندما نلحق بهذه العوامل، التحولات المناخية التي ستتحول على المدى الطويل إلى مراحل جفاف أكثر حدة وأطول في القارة الإفريقية... !