نقف مجددا أمام رقم جديد، يخترقنا كما المداهمة الليلية. عام جديد كما المفاجأة، ليقول لنا، ها أنا أمشي إلى مستقر لي، فما هو مستقركم هذا العام؟ في صغري كان الوقت يبدو بطيئا.. أو على الأقل "نعقل عليه" بمعنى أنني أنتبه للأيام والشهور، كان التحضير لنهاية السنة يبدأ مبكراً، لأنه يتعيّن عليّ آنذاك جمع المال اللازم لشراء بطاقات المعايدة. كانت القائمة تضم كل شخوص المدرسة الابتدائية، أستاذة العربية، الفرنسية، المدير وحتى الحارس الذي يفتح لي الباب عندما يمنعنا الثلج من الوصول في الوقت. بطاقات المعايدة كانت تباع بدينار واحد.. نسميها Bonne année نقول لصاحب المكتبة أعطيني Bonne année فيرد عليّ: - أوكي صغيرتي Bonne année ويضحك عليّ طويلا. لكن صور البيوت الثلجية، وشجرة الأرز المحاطة بخيط ذهبي تستفز ال Bonne année داخل رأسي..لطالما شكّلت في داخلي حسًّا جماليا بديعاً وأنا أرحل معها إلى رسومي المتحركة وإلى العوالم الأوروبية الباردة. تعلّمت أن أكتب المعايدة بالفرنسية، لأنها هكذا.. Bonne année في رأسي.. وكانت دوما بمحتوى واحد لا يتغيّر.. لا أنسى أيضا اليوم الذي تحصّلت فيه على بطاقة معايدة مطوية تصدر منها موسيقى الميلاد كلما فُتحت.. نعم تلك الذّاكرة تغني ذاك المقطع في رأسي.. أصدقائي كل شيء في الطفولة يأخذ وقتا طويلاً.. يرتبط بالروح ولا يُنسى، لأن الأشياء في ذلك الزمان كانت على مهل. وبعد ال Bonne année كنت أجمع كل بطاقات المعايدة التي تصل أهلي.. أسرقها من الجميع وأجمعها في صندوق خاص.. كذلك في الصيف عندما يرتب أهلي أغراضهم ويتخلّصون من الأوراق القديمة.. صندوق البطاقات ذلك علّمني الكثير.. عرفت بعض العلاقات الصامتة.. بعض الرغبات القديمة.. خالي كان يحب قريبة لي ولم يتزوجها.. عمتي أيضا.. ابنة عمتي وحتى... طبعا المقام ليس لفتح الأسرار القديمة.. إنما هناك سر واحد.. كم صارت ال Bonne année طفلة وحيدة لا أحد يهتم بها..أنظر إليها في المكتبات.. لا تباع ولا تشترى.. كأنما صارت لقيطة أمام شرعية التكنولوجيا والأس أماس. هاجر قويدري