شكّلت زيارته إلى الجزائر في إطار فعاليات الطبعة الثانية من مهرجان الفيلم العربي بوهران، حدثا في مصر والجزائر، باعتباره أول فنان مصري يدخل بشكل رسمي إلى الجزائر، بعد أكثر من سنة على حدوث الأزمة التاريخية بين البلدين على خلفية مباراة في كرة قدم، عرفت تبعات وانزلاقات إعلامية وثقافية كثيرة.. فيلم ”واحد صفر” لم يستثمر في الأزمة بل كان استشرافا لها خالد أبو النجا، نجم سينمائي مصري يشهد له الجميع بأنه لم يركب موجة السبّ والشتم التي قادتها بعض الأبواق الإعلامية المصرية، وها هو اليوم يوضح كيف تعامل مع هذه الأحداث معرجا على ظروف زيارته إلى الجزائر.. أنت اليوم في وهران بعد تضارب الأخبار حول مجيئك إلى الجزائر، كيف استقبلت دعوة المنظّمين، وهل يمثل خالد أبو النجا الرأي الرسمي المصري؟ أولا؛ سبق وأن قلت إن مجيئي إلى وهران، ليس مرتبطا بأي صلة رسميّة، وإنما جاء متناسقا مع قناعاتي الشخصية وإيماني العميق بأن ما حدث في السنة الأخيرة من توتر في العلاقات المصرية الجزائرية، كان نتيجة حتمية أو تحصيلا حاصلا لسقطات أبواق الفتنة في البلدين، والتي تسببت لا شك في انحراف تصريحات بعض الزملاء الفنانين، الذين انجروا وراء تزييفات بعض الإعلاميين غير المدركين للعواقب. أنت إذن تبرر تلك السقطات الإعلامية التي وقع فيها الكثير من الإعلاميين في مصر؟ لا؛ أنا لا أبرّر سقطة أحد، وإنما ألتمس الخير الكامن في العلاقات الأخوية التي جمعت إلى زمن قريب، بين شعبي البلدين. لذلك؛ أنا متفائل جدا بانفراج الأزمة، وقد أفاجئك إذا قلت لك إنّ تلك الأزمة كان لديها إيجابيات أيضا، تكمن في التنبيه لما يمكن للإعلام غير الواعي من إحداثه إذا انجرت الجماهير وراءه بلا وعي. وأظن أن الناس في البلدين وحتى في البلدان العربية الأخرى قد حفظوا الدرس جيدا. انتهى عرض فيلمك ”ميكروفون” بقاعة ”المغرب” على خير، بل كان التجاوب كبيرا بينك وبين جمهور القاعة، كيف عشت لحظات ما قبل العرض وهل أنت راض عن الاستقبال؟ لا أنكر أن الساعة الأخيرة التي سبقت عرض فيلم ”ميكروفون” في قاعة السينما، كانت ساعة توتر وقلق بالنسبة لي رغم ما كنت أبديه من راحة للمحيطين بي، وذلك نظرا للمسؤولية الكبيرة التي أحسست بها على عاتقي وأنا أفكّر في تبعات لقاء الجمهور الجزائري، وما يمكن لهذا اللقاء من تطبيب الجرح، لكنني عندما وصلت إلى القاعة واستقبلتني ابتسامات الجماهير وتحياتهم، سقط عني التوتر وتأكّدت أنني في المكان الصحّ، فحظيت باستقبال لم أحظ به من قبل في أي دولة عربية.. ألم أقل لك إنني أثق في الخير الكامن بين الشعبين. هل كنت تتوقّع هذا الاستقبال، خصوصا بعد أن وصلتك أخبار عن رفض بعض الفنانين الجزائريين دخولك إلى الجزائر؟ *سأقول لك شيئا.. التقيت قبل ساعات بصحفي جزائري، فطلب مني تعليقا أو ردا على الفنانين الجزائريين الذين قال إنهم يرفضون مجيئي إلى الجزائر.. ابتسمت في وجهه وقلت له : ليس صحيحا ما تقول.. ”، لذلك أعود وأقول لك إن وجودي هنا في الجزائر جاء من قناعة قد يقتسمها معي الكثير من الفنانين في مصر، وهي أن ما حدث بين الشعبين في السنة الأخيرة ”كان صرحا من خيال فهوى..” على ذكر صرح أم كلثوم، جاء في فيلم ”ميكروفون” الذي أنتجته وجسّدت دور البطولة فيه، عرض توثيقي لبعض الفرق الموسيقية المصرية الشابة، وكأن الفيلم روبرتاج صحفي أو تقرير إخباري يروي حكاية بعض الشباب المتعلقين بالموسيقى الغربية، في شوارع مدينة عربية، هل تعتقد أنك قدمت فيلما شخصيا ترضي به ذائقتك الموسيقة، أم أنك قدمت فيلما سينمائيا منافسا؟ لقد قلتها قبل بداية العرض.. إنني لا أدعي أن فيلم ”ميكروفون” فيلم ثقيل المستوى، أو أنه فيلك كبير، ميكروفون فيلم بسيط وصادق، وقريب من روح فئة كبيرة من الشباب المصري وحتى العربي، وهي الفئة التي لم تأخذ حقها في التعبير، سواء كان تعبيرا فنيا أم سياسيا، لذلك وردت في الفيلم الكثير من الإحالات السياسية التي كانت مباشرة وبعيدة عن الترميز. وهو ما أعطى للفيلم صفة الواقعيّة، خصوصا إذا علمنا أن أغلب الوجوه التي ظهرت في الفيلم كانت شخصيات حقيقية لم يسبق لها الظهور في التلفزيون أو السينما، على غرار الفرق الموسيقية المشاركة، والتي فتح لها الفيلم نافذة على الآخرين، وهو الأمر الذي يجعلني فخورا بالوقوف في هذا الفيلم وإنتاجه..
تتحدّث عن فئة معيّنة من الشباب، وهو ما يدفعني إلى سؤالك عن سبب بقاء أبو النجا، منذ بداياته، داخل إطار شخصيّة الشاب المستقل المنفتح على الغرب، الخارج عن نواة العائلة، المقيم على الطريقة الأمريكية، وهذا ما يظهر في جلّ أفلامك بداية من فيلم ”مواطن، مخبر وحرامي” مرورا بأفلام مثل ”حرب أطاليا”، أو ”واحد صفر” ووصولا إلى ”ميكروفون”.. هل هو خيار شخصي يتبنى الانفتاح والاستقلالية الغربية أم هي اختيارات المخرجين؟ ومن منا لا يحب الاستقلالية وتسطير حياته الخاصة ؟ لكن الأدوار التي ذكرتها كانت منسجمة مع المواضيع الراهنة التي تطرقت لها تلك الأفلام، مع أني لم أسع يوما إلى تأطير مشواري الفني أو البقاء في كادر ثابت، أنا دائما في انتظار الدور الذي لا يشبهني أنا خالد أبو النجا، وأبحث دائما عن التجديد. ما دمت تحدثت عن الانسجام، هل تعتقد أن فيلم المخرجة المصرية كاملة أبو ذكرى، ”واحد صفر” الذي شاركتَ فيه ويتطرّق إلى قضية سيطرة الكرة على هواجس المجتمع المصري وعلاقتها بالاضطرابات الاجتماعية والسياسية، هل تعتقد أنه كان منسجما مع الوضع العام الذي ساده التوتر بين الجزائر ومصر في السنة الماضية، وهل تنفي أن الفيلم استثمر في الأزمة للترويج له؟ أولا؛ فيلم ”واحد صفر” أنتج قبل سنتين من مقابلة أم درمان، وهو فيلم محترم من حيث تطرقه لموضوع حساس مرتبط بجميع الجوانب الحياتية؛ خصوصا في مجتمعاتنا العربي، لكني أعتقد أن الفيلم كان استشرافا للأزمة التي حدثت في السنة الأخيرة، والتي كانت نتيجة لمعطيات كثيرة عالجها الفيلم.. ولا أظنّ بأن ”واحد صفر” استثمر في الأزمة بين الجزائر ومصر، بل بالعكس تماما، الفيلم ساهم في تقريب الصورة أكثر للجمهور، وكشف خلفيات الأزمات التي تحدثها كرة القدم بين الشعوب وحتى داخل البلد الواحد. غدا (أمس) تسافر إلى مصر بعد ثلاثة أيام من الإقامة في وهران، بأي صورة ذهنية عن الجزائر، سيسافر خالد أبو النجا؟ قد تقول عني مجاملا أو دبلوماسيا؛ إذ أقول لك إنني شعرت أني لم أغادر مصر، لذلك سأكتفي بالقول إنني لم أندم ولن أندم أبدا على المشاركة في أي تظاهرة ثقافية أدعى إليها في الجزائر، وكل أملي أن تعود العلاقات الأخوية بين مصر والجزائر إلى سابق عهدا، وشكرا لوهران التي منحتني فرصة لأقول كلمتي..