التململ في قطاع الإعلام بلغ أقصاه، بدخول صحفيي القطاع العمومي في سلسلة من الحركات الاحتجاجية، مع أن الاعتقاد الذي كان سائدا، هو أن وضعية زملائنا في القطاع العمومي “راقدة وتمانجي” عمل قليل وراتب جيد، لأن وضعية القطاع وخاصة في الصحافة المكتوبة تتمتع ببحبوحة مالية وبنصيب معتبر من الإشهار الحكومي مما سمح لها بتحسين رواتب عمالها. لكن؛ يبدو أن مطالب الزملاء في هذا القطاع، لم تعد تقتصر على الماديات، بل صاروا يطالبون برفع سقف الحرية أيضا، ومطالب أخرى جديدة قديمة، كنا رفعناها زمن الحزب الواحد وأيام المجد في حركة الصحفيين الجزائريين، ثم ما لبثنا أن نسيناها في عهد الصحافة الخاصة عندما تحول أبطال الحركة إلى مدراء نشر ومسؤولين عن عشرات الصحفيين وعن الخطوط الافتتاحية لصحف مجبرة على الموازنة بين المصالح. نعم؛ نسينا أننا كنا نطالب - أيامها - بسقف عال من الحرية، وبتحسين الوضع الاجتماعي للصحفي، وراتب محترم وحق في التكوين، وعلاوة للكتب والوثائق، وحق في البطاقة الوطنية للصحفي، وحماية الصحفي من المتابعة القضائية بناء على كتاباته، ومزايا كثيرة اجتماعية ومهنية، ما لبثت أن اختفت على مذبح تشييد مؤسساتنا الإعلامية، التي نتفاخر أنها الأكثر حريّة ومهنية في الوطن العربي وننسى أننا بنيناها على أشلاء شهداء المهنة، بل على أشلاء المهنة نفسها. نعم؛ من حق الصحفيين الجزائريين أن ينتظموا ويطالبوا بتحسين أوضاعهم، المهنية والاجتماعية، مثلهم مثل الشنابط ومثل الأساتذة والأطباء وشبه الطبيين، هؤلاء الذين لولا الصحفيين لما وصلت صرختهم إلى الجهات الرسمية واستجابت لمطالبهم.. من حق الصحفيين أن يحموا مهنتهم من مرتزقة المهنة وممن بات يعرف باسم “بڤارة” الصحافة الذين يستثمرون في عرق الصحفيين ولا يحترمون قواعد المهنة وأخلاقها، مستغلين الأوضاع المزرية للصحفي. لكني أخاف على حركة الصحفيين أن تلقى نفس المصير الذي لقيته حركتنا في بداية التسعينيات، عندما ركبها البعض، وخدموا على حسابنا مصالحهم الخاصة، وفجرت الحركة عندما تولّاها “نصاب ومداح” على حد تعبير قباني، لأنني أرى اليوم أشخاصا يتكلمون باسم الصحفيين وهم لا يفقهون شيئا في المهنة، ولأنهم فشلوا في أن يؤسسوا مكانة لأسمائهم الصحفية، ها هم يحاولون تكرار التجربة إياها.