لقد قال السيد أحمد غزالي رئيس الحكومة الأسبق: "إن الجزائر ليست في حاجة ماسة إلى إصلاحات قانونية جديدة بقدر ما هي في حاجة إلى ضرورة تطبيق ما هو موجود بالفعل من هذه القوانين"! وغزالي في هذا على حق إلى حد بعيد.. فالمشكلة في الجزائر ليست في سحنون الذي هو القانون.. بل المشكلة في تعريق النون وهو التطبيق! الإصلاح الحقيقي يعني بالأساس كف السلطة نهائيا عن القيام بالموبقات الأربعة التي ترتكبها الآن جهاراً نهارا وهي: "شيطنة السياسة وصعلكة الحكومة والبرلمان وبولسة الصحافة والإعلام وشبشقة العدالة"! أولا: شيطنة السياسة: فرغم أن الدستور والقوانين تنص على حرية إنشاء الأحزاب وممارسة السياسة إلا أن السلطة ترى في إنشاء الأحزاب وممارسة السياسة هو عمل شيطاني يعاقب عليه القانون.. لأن الذين يريدون إنشاء الأحزاب هدفهم الوصول إلى السلطة! وكأن الوصول إلى السلطة جريمة شيطانية يعاقب عليها القانون! وقد سمعت رئيس المجلس الشعبي الوطني يقول بكل جرأة: إن الذين يطالبون بالتغيير هدفهم الوصول إلى السلطة وأخذ مناصبنا! هكذا والله.. وكأن المناصب التي وصل إليها أمثاله هي وقف عليهم وحدهم ولا يحق للناس أن يناضلوا من أجل الوصول إليها! ومن أجل بقاء هؤلاء في هذا المناصب يقومون بشيطنة أي عمل سياسي هدفه الوصول إلى السلطة.. ولهذا يقول هؤلاء إن أي عمل سياسي هدفه الوصول إلى السلطة هو عمل شيطاني ينبغي محاربته بعدم إعطاء الحزب الذي يريد ذلك حتى حق تنظيم المسيرات أو التجمعات! وما هو مسموح به فقط هو العمل على أن يطمح الحزب إلى المشاركة في السلطة بالصورة والنوعية والكيفية التي تريدها السلطة.. أما حكاية البحث عن البديل للسلطة القائمة حتى ولو كانت فاسدة فهو عمل شيطاني يجب أن يحارب بقوة لأنه يمس بأمن البلاد من خلال المساس بأمن كراسي المسؤولين! وفي هذا السياق من الطبيعي أن توضع العاصمة تحت الحصار الأمني بعد أن ترفع حالة الطوارئ.. وأن يقرر وزير الداخلية إلغاء حق دستوري للمواطنين بحقهم في تنظيم المسيرات بحجة أن وزارته غير قادرة على ضمان أمن العاصمة! فالوزارة عاجزة عن ضمان أمن العاصمة ومع ذلك لا تريد الرحيل وتطلب من الأحزاب والمواطنين التخلي عن حقهم الدستوري لأجل الحفاظ على عجز الوزارة في توفير الأمن للمواطن! وإذن المشكلة ليست في وجود القانون بل المشكلة في كيفية تطبيقه كما قال غزالي! ثانيا: صعلكة الحكومة والبرلمان: وتتمثل هذه الصعلكة في إجراء انتخابات صورية أو مزورة تنتهي إلى حمل صعاليك سياسيين إلى كراسي الوزارات والبرلمان برتبة وزراء ونواب! النواب في البرلمان لا يعرفون حدود صلاحياتهم الدستورية لأنهم جاءوا إلى مناصبهم بالتزوير على مستوى الأحزاب ثم بالتزوير على مستوى الانتخابات الشعبية.. وقانون معاقبة المزورين موجود ولكنه لايطبق على من يزور النيابة أو الوزارة أو حتى الرئاسة ويطبق قانون قمع التزوير فقط في من يزور العملة أو وثائق السيارات أو أوراق الحالة المدنية! لهذا لا نرى غرابة في أن الحكومة يعين أعضاؤها في المناصب الحساسة من خارج الأحزاب ولا علاقة لهم بالأحزاب التعالفية رغم رداءة هذه الأحزاب! وأن الوزراء الذين يأتون من خارج العملية السياسية يأخذون المناصب الحساسة في الحكومة ولا يقدمون أي حساب لا لحزب أو جهة من الجهات السياسية لها علاقة بأي ولاء للمواطنين! ولهم علاقة فقط بالذي عيّنهم في هذه المناصب ولذلك لا يحاسبون ولا سياسيا ولا غير ذلك على ما يرتكبونه من مناكر في حق البلد.. مثلما حصل مع المالية في موضوع الخليفة وما حصل مع سوناطراك في موضوع وزارة الطاقة! وإذن صعلكة الحكومة والنيابة هي التي أدت إلى كثير من الكوارث التي عاشتها وتعيشها البلاد.. وإنهاء هذا الوضع البائس لا يحتاج إلى وضع قوانين وإجراء إصلاحات، بل يحتاج فقط إلى إجراء انتخابات حقيقية تنتج برلمانا منتخبا وغير مزور.. وتنبثق عنه حكومة مسؤولة أمام من انتخبها.. وليس حكومة ووزراء له يقدمون أي حساب سوى لنسائهم وسكرتيراتهم! ثالثا: بولسة الصحافة والإعلام: حرية الصحافة تعني حرية التعبير! وحرية لا يمكن أن تحدث وأجهزة الإعلام العامة والخاصة "مُبَوْلَسَة" وتحت الإقامة الجبرية.. والمثل يقول: "حيث يوجد البوليس تختفي الحرية!" وهل يمكن أن تكون الصحافة حرة والبوليس هو الذي يقوم يوميا بإجراء تقسيم الإشهار العمومي على الصحف بطريقة تقسيم أعمال جمع الزبالة على زبّالي العاصمة! وتتحكم عملية التوزيع هذه في حجم المنافع التي تعطيها كل صحيفة للآمر بعملية التقسيم هذه! ولم يعد الأمر سراً، بل إن أصحاب الصحف التي تعتاش على الإشهار العمومي يقولون ذلك علناً وبلا حرج "من يدفع يرفع"! كل هذا حدث لمهنة خضعت بصورة شبه كاملة لعملية البولسة! باسم المصلحة العليا للبلد.. وباسم خدمة المصلحة العامة! حتى أخبار الحوادث المختلفة أصبحت تباع جهارا نهارا والسلطة على علم تام بهذا الأمر.. بل وتباركه! والمهم أن تبقى هذه الصحف في حدود أخذ ما يسمح لها بأخذه من أخبار وإشهار ولا تتدخل فيما قد يقلق الفساد والمفسدين في السلطة! رابعا: شبشقة العدالة: والشبشقة تعين جعل الشيء شبشاقا أو قبقابا أو سبردينة أو فرتلة في رِجل اللابس! وهذا ما تفعله السلطة التنفيذية عندنا بالعدالة! وإليكم صورة من صور شبشقة السلطة التنفيذية للسلطة القضائية عندنا.. فكم من مرة يشن عمال قطاع ما إضرابا عن العمل وتقوم الوزارة المعنية برفع القضية أمام العدالة.. ودائما العدالة تحكم لصالح الوزارة بعدم شرعية الإضراب! ولم يحدث مرة واحدة أن سمعنا أن العدالة حكمت لصالح المضربين! وكل الإضرابات في الجزائر كانت غير شرعية! ومع ذلك يأتي الوزراء إلى الصحافة ويقولون للرأي العام: إن مطالب المضربين شرعية وتتم الاستجابة إليها وفق توجيهات الرئيس حسب تعبير الوزير.. وتحل المشاكل ويتحول الإضراب إلى إضراب شرعي.. ولا يسأل الوزير عن تضليل العدالة.. ولا تسأل العدالة عن إصدارها الأحكام بعدم شرعية الإضراب! أليست هذه شبشقة للعدالة؟! وهذا مجرد مثال من آلاف الآمثلة التي تقوم فيها السلطة التنفيذية بشبشقة العدالة؟! وإذن فالأمور لا تتعلق بوجود القوانين بل تتعلق بالإرادة السياسية الحقة في جعل مؤسسات الدولة تمارس صلاحياتها في حدود القانون الموجود! والقوانين الموجودة الآن ليس مطبقة بالصورة المطلوبة.. بل هي معطلة.. فما الجدوى من إحداث إصلاحات في قانون الإعلام مثلا والقانون معطل تطبيقه منذ سنوات؟! وما يحدث في الإعلام يحدث في البرلمان والأحزاب والعدالة.. ولذلك فالإصلاح الحق هو الذي يبدأ بتطبيق ما هو كائن الآن من قوانين.. وعندما تعجز هذه القوانين نلجأ بعد ذلك إلى عملية الإصلاح!