تعتبر العطلة المرضية حقا مشروعا لكل الموظفات والموظفين يكفله القانون بعد تقديم الوصفة الطبية التي تثبت الحالة الصحية، في حين أن الواقع يكشف أن أغلب الذين يلجؤون إلى العطلة المرضية ليس بدافع المرض وإنما هروبا من ضغط العمل أو للتخفيف من بعض الالتزامات العالقة خاصة إذا تعلق الأمر بالنساء المتزوجات، وهو ما يوقع أصحاب المؤسسات في حرج كبير. قلة قليلة من الموظفين والموظفات من يستعملون العطلة المرضية في إطارها القانوني والشرعي، أي تعرضهم لوعكة صحية يدفع بهم إلى الابتعاد عن العمل للراحة بعد الاستشارة الطبية، فأغلبيتهم وخاصة فئة النساء يأخذونها بدافع الهروب من ضغط العمل كون أن بعض المؤسسات لا تمنح الموظفين عطلة أقل من أسبوع، أو من أجل حل بعض الالتزامات العائلية أو المشاكل، وانطلاقا من هذا قامت ‘'الفجر'' بإجراء استطلاع لمعرفة الأسباب التي تدفع النساء خاصة لأخذ عطلة مرضية، وإن كان الأمر يتعلق بالجانب الصحي أو لاعتبارات أخرى. ضغط العمل لا تزيله إلا العطلة المرضية أكد لنا بعض الموظفين من فئة الرجال أنهم لا يلجؤون إلى العطلة المرضية إلا في الحالات التي يصبحون فيها عاجزين عن تحمل ضغط العمل الذي يظهر على سلوك الموظف في شكل قلق مستمر وعدم القدرة على التركيز وارتكاب الكثير من الأخطاء. فهذا السيد سعيد، موظف بمؤسسة عمومية، يقول: ‘'إن المرض ليس بالضرورة عضويا حتى ألجأ إلى أخذ عطلة مرضية فقد يكون المرض نفسيا أو تعب عقلي ناجم عن ضغط العمل، الأمر الذي يدفعني في ظل عدم وجود عطلة إلى الذهاب إلى طبيب وطلب شهادة طبية تبيح لي الراحة والابتعاد عن جو العمل، خاصة أن المؤسسة التي نعمل فيها لا تمنح عطلة لمدة ثلاثة أيام، الأمر الذي تؤمنه العطلة المرضية''. بينما كشف بعض المستجوبين أن العطلة المرضية بالنسبة لهم بمثابة الحل السريع لمعالجة بعض المشاكل العائلية التي لا تنتظر، والتي تتطلب التدخل السريع لمعالجتها. فهذا السيد جمال يقول إنه قلما يلجأ إلى العطلة المرضية حتى في حال المرض، وإنما يعتمدها في ظل غياب العطلة كحل لمعالجة بعض المشاكل العائلية التي قد تحدث بين الحين والآخر، ويعلق قائلا: ‘'أعترف أني لا استعمل العطلة المرضية في إطارها الشرعي ولكني ألجأ إليها كحل عاجل‘'. .. ولحواء مبرراتها لطلب عطلة مرضية توافق حواء آدم إلى حد ما في العطلة المرضية من منطلق أنها العلاج السريع لحل بعض لالتزامات، إلا أنها تعتبر أن ما يقع عليها من أعباء يدفعها إلى اختيار العطلة المرضية كرها إما لإصابة أحد الأبناء بمرض يتطلب منها المكوث بجانبه، أو لأن ابنها يمر بفترة امتحانات مصيرية، الأمر الذي يدفعها إلى القيام بدورها التربوي، أو لتلبية بعض الولائم كالأعراس. فهذه السيدة كهينة مثلا موظفة تقول إنها حتى في وجود العطلة تفضل الاحتفاظ بها للراحة الشخصية بينما تعتبر العطلة المرضية بمثابة الوسيلة التي من خلالها تلبي بعض الالتزامات مادام بإمكانها إحضار شهادة طبية تبرر بها الغياب، هو الانطباع الذي لمسناه تقريبا عند فئة كبيرة من النساء المستجوبات اللواتي أكدن لنا أنهن يمارسن العطلة المرضية خارج إطارها القانوني والشرعي في ظل غياب حل بديل، وعلى الرغم من إدراكهن لهذا الواقع إلا أنهن يعطين لأنفسهن الكثير من التبريرات خاصة في ظل غياب العطلة أو انقضائها، وبالتالي تعتبر العطلة المرضية الحل الجوهري لمعالجة الكثير من المشاكل على الرغم من أن الراتب الشهري يتأثر من الناحية المادية ومع هذا مادام الأمر معوضا فلا مانع من ذلك. العطلة المرضية تقتطع من الراتب الشهري من جهة أخرى، يعزف البعض من الرجال وكذا النساء الموظفين عن اللجوء إلى العطلة المرضية في ظل غياب الحجة الشرعية لها والمتمثلة في المرض، والاجتهاد لعدم استهلاك كل أيام العطلة السنوية من أجل استغلالها متى دعت الضرورة لذلك، والسبب راجع بالضرورة إلى تضرر الراتب الشهري، خاصة إن كان هذا الأخير هزيلا ولا يكفي لتلبية كل الالتزامات في ظل الغلاء الذي تشهده معظم المواد ذات الاستهلاك الواسع. فهذه السيدة حورية تحدثنا قائلة ‘'قلما ألجأ إلى أخذ عطلة مرضية ليس لكوني مريضة وإنما لحل مشكل طارئ كمرض أحد أولادي، أو لتغيب الحاضنة، فلا أجد من يحتفظ لي بطفلي. وبعيدا عن هذه الأعذار أحاول بقدر الإمكان تجنبها خاصة وأن راتبي الشهري لا يكفيني لسد كل احتياجاتي، وبالتالي لا أتحمل أن ينقص منه كما أن التعويض يأتي متأخرا ولا يكون بنسبة مئة بالمئة''، وهو نفس الانطباع الذي لمسناه عند السيد فؤاد، موظف بالبلدية، الذي أكد أنه يتجنب العطلة المرضية إلى أقصى الحدود حتى في حال إصابته بالمرض كل هذا من أجل أن يحظى براتبه الشهري كاملا غير ناقص. أصحاب المؤسسات يعتبرونها سلوكا لا مسؤولا من جهة أخرى، يؤكد أصحاب المؤسسات أن هذا التصرف الذي يسلكه الموظفون يكلف المؤسسة خسائر فادحة خاصة وأنه من الصعب رفض عطلة مرضية ممضاة من طرف طبيب مختص، كما يدخل الإدارة في صراعات مع الموظفين، حيث يتهم أصحاب المؤسسات عمالهم بالتواطؤ مع الأطباء واختلاق الأعذار دون مبررات لا لشيء سوى لأغراض خاصة تكون في غالب الأحيان هروبا من ضغط العمل والرغبة الجامحة في الركون إلى الراحة.