يمثل الشباب في مجتمعنا العمود الفقري، وهو القوة الظاهرة التي تمثل أيضاً الإندفاع الذاتي في كل مجتمع من المجتمعات، وورد في حديث للنبي صلى الله عليه وسلم: “الخير كله في الشباب”، في إشارة إلى أن مرحلة الشباب هي مرحلة العطاء والتغيير والبناء. ولعل ظاهرة العنف التي بدأ انتشارها وازدادت خطورتها بالأحياء الشعبية لا تعود في الأصل إلى فساد الشبان كعنصر أساسي موجود في المجتمع، وإنما يعود إلى جملة من الأسباب في مقدمتها البطالة، الجهل، والفقر.. وقد أكد علماء ورجال دين ومفكرون أن دور الدين يفترض أن يكون أحد أسباب تخفيف العنف كماً ونوعاً، وأيضاً لأن الدين يضع أرواح الناس في يد الله تعالى وليس في يد البشر، ويحيل الحكم إلى الشرع والقانون، وأخذ الحق المدعي باليد سواء أكان فردياً أو جماعياً: عشائرياً، أو قبلياً، أو حزبياً. وأجمعوا أن الإسلام براء من ظاهرة العنف، لأن العقل النيّر والإرادة الحرة في الإسلام تفترض أن لا تكون مرتهنة لتصور من هنا وآخر من هناك لا يقيم احتراماً للحياة الإنسانية ولا لإنسانية الإنسان أياً كان وأينما كان. وشددوا أن العولمة الإعلامية في مخاطرها تهدد كل النواظم الجامعة وتحول البشر إلى أفراد يسعون لإشباع رغباتهم وشهواتهم، وهنا يأتي دور العنف ومجاله، ومن هنا لا بد من بناء ذاكرة الشباب التي تردع هذه المخاطر بتعليمهم الديمقراطية واللاعنف· وفي هذا السياق، قال العلامة الشيخ الدكتور محمد شريف قاهر، عضو المجلس الإسلامي الأعلى ورئيس لجنة الفتوى بذات المجلس: “بتقديري أنه كانت هناك أسباب للعنف دائماً، منها الجهل والفقر والتفكك الأسرى والإحباط العام، ولكن خلال فترات مختلفة يتضاعف هذا العنف كماً ونوعاً، كلما أصبحت الظروف التي تكلمنا عنها أصعب. بالإضافة إلى ذلك فإن دور الدين يفترض أن يكون أحد أسباب تخفيف العنف كماً ونوعاً وأيضا لأن الدين يضع أرواح الناس في يد الله تعالى وليس في يد البشر..”، مضيفا: “ولا يمكن أن ننسى دور الأعداء في تنظيم العنف وليس ربما بالغيب أن نفترض أن قوى خارجية لها دور في دعم العنف، ولو من موقع التناقض بينها وبينه، ولكن هناك تناقض آخر بيننا وبينها بمعنى أنها تعمل لتأمين مصلحتها على حساب مصالحها، لذا أدعو وبسرعة إلى حملة واسعة تعرف شبابنا وأولادنا في المدارس والجامعات على ويلات العنف والتطرف. وقال الشيخ الطاهر آيت علجات، في هذا السياق نفسه: “الدين في مطلق الأحوال هو عامل خير ووسيلة بناء والتزام بالفضيلة والتقى ومكارم الأخلاق، أما أن تقوم فئة من الناس وتمارس ما لا يليق بالدين، فالدين من هذه التصرفات براء، وخاصة العنف الذي ترفضه الأخلاق البشرية عامة والأديان على تنوعها. وفي هذه الأيام درج اصطلاح العنف بالأحياء الشعبية، ويحاول الذين يمارسون هذا العنف ويزعجون البشر أن يتخذوا الألقاب الدينية والشعارات المذهبية لتمرير مساوئهم وشرورهم.. ديننا يدعو إلى الرحمة ومكارم الأخلاق، الإسلام له الخط نفسه في الدعوة إلى التعاون وفعل الخير ونشر القيم السامية اللائقة وحتى الديانات التي نسميها فلسفات من عقول البشر ترفض العنف، وتدعو إلى السلام والمصالحة والإخاء والتعاون الديني والحفاظ على حق المواطنة لكل الناس من السكن والعمل وغيرها من ضروريات الحياة. لهذا، الإسلام والأخلاق وكل مبادئ حقوق الإنسان تستنكر العنف عمن صدر ومن أين صدر، فهو ضد الله والإنسان في كل الحالات. الشيخ محمد مكركب، عضو المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ورئيس لجنة الوعظ والإرشاد بالجمعية، قال: “العنف الصادر معالجته لا تتحقق إلا من خلال البناء الفكري للشباب وغيرهم بناءً إيمانيا واعياً ونقوانياً حقيقياً، ومسؤولية ذلك البناء الإيجابي إنما تقع على أولياء الأمور في الأسرة والمدرسة والجامعة، وقمة المسؤولية تقع على المؤسسات الدينية وكافة القائمين عليها.. نزولاً عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته”. والله من وراء القصد. ونحن نرى أن أكثر ما يحصل من أعمال عنف للمطالبة بالحقوق وإيذاء للذات وللآخرين، الدين منها براء، ويحاربها، ويرفضها رفضاً مطلقاً، ولا حل لمواجهتها إلا بالعودة إلى أصول الدين، إلى المنابع الصافية، وهذه هي مسؤولية كافة المرجعيات الروحية في كل مكان فهي المؤتمنة على هذا التراث الديني العظيم وعلى حقيقته الداعية إلى الانفتاح والتعاون والمحبة المتبادلة والتسامح والقبول بالآخر فالعنف هو عملياً تعبير عن رفض الآخر.