تحولت المدينة القديمة المعروفة بحي البلاص دارم، في قلب جوهرة الشرق عنابة، إلى مكان محرم على أهلها وزوارها الأجانب، فأول نصيحة يتم إسداؤها لأي شخص يريد التجول في أرجائها هو عدم دخول أزقتها التي تخفي بين طياتها الكثير والكثير.. زيارة “الفجر” تمت بمساعدة أصدقاء كانوا عين حماية، فتم الوقوف على سيناريوهات مأساوية راح ضحيتها أفراد عائلات فككها الفقر فدفع بإناثها لدخول عالم الدعارة ولذكورها ترؤس عصابات إجرامية متخصصة في سرقة الذهب والهواتف النقالة. وفي هذا السياق، فإن كل داخل إلى حارات وأحياء “بلاص دارم” التي تشبه إلى حد بعيد أحياء القصبة العتيقة، عليه إخفاء هاتفه النقال في مكان آخر، ما يعني انقطاع الاتصال بينه وبين العالم الخارجي، لأن هناك تشعر وكأنك في عالم آخر، أو بالأحرى في علبة كبيرة تخبئ كل زاوية من زواياها قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت، حيث تعود سكان ولاية عنابة على حوادث القتل وانتهاك الأعراض في هذا الحي الذي يعج ببيوت الدعارة، ومظاهر السرقة والاعتداءات من قبل خليط سكاني قدم من شرق، وسط، جنوب وغرب الوطن، لتتحول بلاص دارم، التي كانت فيما مضى وردة جوهرة الشرق، التي يعم عبقها أحياء بنيت متداخلة نتيجة تداخل السكان الذين كانوا كتلة واحدة في مواجهة الأقراح وكتلة واحدة في إحياء ليالي الأفراح، إلى قطب إجرامي يأوي إليه المنحرفون وذوو السوابق العدلية، ليتمكنوا من فرض منطقهم بالقوة ويتحكموا في الحركة التجارية بشكل أو بآخر ويحولوا المدينة إلى مكان غير آمن، تتم فيه سرقة كل ما يمكن أن يجلب مبلغا من المال، من السيارة ووصولا إلى حذاء قد يرتديه شخص عادي. العجيب في مدينة السلاح، التي حولها الاستعمار إلى مكان لتجميع هذا الأخير، أن الجوانب الإيجابية لأولاد البلاد لم تندثر بعد، فرغم صعوبة العيش وقساوة الفقر وظلم النسيان من السلطات، إلا أن فئة أبناء عنابة لم تنقرض بعد، حيث تبقى الرجولة في إغاثة المستغيث وحماية طالب الحماية أمرا موجودا في قلب القطب الإجرامي. ولعل هذه، حسب الكثيرين، هي عناية الأولياء الصالحين الذين تعج بهم المدينة القديمة، التي كانت الوجه الناضر لجوهرة الشرق عنابة، و التي يتجاوز عمرها 2000 سنة، دون نسيان جامع أبو مروان الشريف المشيد سنة 1030 ميلادي من قبل أبو الليث البوني عقب تجديد المدينة أواخر القرن ال10 ميلادي. لتبقى حقيقة إعادة الاعتبار للمدينة القديمة عن طريق المحافظة على وجهها التاريخي الزاخر وإنقاذ ما تبقى منها، ضرورة أكثر من ملحة تهدف أساسا إلى وضع حد لممارسات سلبية حولت بلاص دارم إلى بعبع مخيف.. في هذا الإطار طالب السكان المهددة سكناتهم بالانهيار بانتشالهم من الوضعية المزرية التي يقيمون بها، علما أن ديوان تهيئة المدينة القديمة كان قد كشف سابقا خبر الإزالة الفورية ل37 بالمائة من البنايات القديمة التي تعتبر خطرا على قاطنيها، كما حدد المواقع التي يمكن ترميمها حفاظا على هذا الإرث الذي يخفي في طياته من أمام ساحة الثورة، واقعا معيشيا أقل ما يقال مأساوي.