الملك المغربي محمد السادس انتبه أخيرا إلى أن تأخر بناء المغرب العربي يضر بالمصالح العليا في المنطقة ويقلّل من فرص التنمية في بلدان هذه المنطقة. الخلاصة هذه التي انتهى إليها ملك المغرب أخيرا تدل على أن حكام هذه المنطقة لا يفهمون بسرعة.. فقد احتاج ملك المغرب إلى 10 سنوات كي يفهم ما كان من الواجب أن يفهمه خلال شهور أو أسابيع من توليه الحكم! كل المغاربة الشرفاء وكل الجزائريين الشرفاء يحسون بمرارة ما يحدث بين بلدان المغرب العربي من تعطّل لوحدة المنطقة وتمزيق لأوصال شعوبها الواحدة! عار عليكم يا جلال الملك الشاب وعار على نظرائك في الجزائر وغير الجزائر من بلدان شمال إفريقيا أن يكون وضع وحدة شعوب هذه المنطقة الحالي أسوأ من حاله في عهد الاستعمار! في عهد الاستعمار كان المواطن المغاربي ينتقل من طنجة إلى جربة ولا يطلب منه حتى الاستظهار ببطاقة التعريب! وكانت عملة تونس وعملة المغرب وعملة الجزائر تتجول بحرية بين البضائع في هذه البلدان تماما مثلما يتجول الآن بكل حرية في هذه البلدان الاستبداد والظلم والحڤرة والفقر والتخلف! هل كان من الواجب يا جلالة الملك أن يجيب والدكم طيّب الله ثراه على (إساءة الجزائر) للمغرب بتصدير الإرهاب لها في أحداث الدارالبيضاء السياحية.. هذا على فرض أن الإرهاب الذي تعرّضت له الشقيقة المغرب كان وراءه إرهاب الجزائر.. هل كان من الحكمة أن تفرض على الجزائريين التأشيرة لحماية المغرب من بؤس الإرهاب الجزائري؟! ألم تكن هناك وسيلة أخرى لمعالجة الموضوع دون اللجوء إلى هكذا قرارات؟! كيف طاوعت المغرب الشقيق نفسه أن يفعل هذا وأن يجمّد مؤسسات الاتحاد؟! هل من المنطق ومن المصلحة العليا للمنطقة أن تعالج هكذا مسائل بمثل هذه القرارات الارتجالية؟! كيف تفرضون على رعايا دولة تربطكم بها معاهدة اتحاد اندماجي تلوح آمال شعوبه في الأفق.. دون أن يحس المغرب الشقيق بخطورة ما أقدم عليه؟! في سنة 1969 وعلى هامش القمة العربية التي انعقدت بالدارالبيضاء، اتفق المرحوم بومدين مع المرحوم الحسن الثاني ملك المغرب على رسم الحدود بين البلدين.. وقالوا للرأي العام المغاربي تلك الجملة الشهيرة “سطرنا الحدود لمحو الحدود“! كان وقتها يجلس بجانبي في مقاعد الدراسة في معهد الصحافة بجامعة الجزائر طالب مغربي اسمه مسعود أحمد فقلت له ما يمهنا نحن الطلاب ليس تسطير الحدود بل محو الحدود؟! هل كان من الواجب أن نعالج مسألة عارضة كهجوم الإرهاب على مرفق سياحي في مدينة مغربية لتقوم السلطة في المغرب بالهجوم على حق الجزائريين في دخول المغرب بدون تأشيرة! لقد أدرك الأشقاء في المغرب خطورة ما قاموا به من التنصّل من المسؤولية بخصوص فرض التأشيرة وتجميد العمل بمؤسسات الاتحاد المغاربي الحديثة.. ولكنهم عادوا إلى تصحيح الخطإ بعد أن كان الرد الجزائري مدويا.. وهو غلق الحدود.. والتي ما تزال مغلقة إلى اليوم. نعم خطأ الأشقاء في المغرب كان كبيرا ولكنه جوبه أيضا بخطإ جزائري أشنع منه.. بغلق الحدود.. والتي ما تزال مغلقة إلى اليوم! المصيبة أن الحجة التي استند إليها المغاربة في هذا القرار الأهوج كانت أسوأ من القرار نفسه! فقد قالوا وقتها: إن الجزائر تتعرّض لمحنة وحرب أهلية ومن الواجب أن لا نساعدها في الخروج من هذه المحنة لأنها ساندت البوليساريو؟! هل يعقل أن دولة تبني معها اتحادا للمستقبل وفي أول محنة تواجهها هذه الدولة تتخلى عن مساعدتها للخروج من هذه المحنة؟! أي اتحاد هذا الذي نريد بناءه؟! قضية الصحراء بدأت قبل ميلاد الاتحاد المغاربي.. وقيل إن الاتحاد جاء لمعالجة هذه المسألة معالجة سياسية! فلماذا هذه الممارسة؟! حكاية الوحدة المغاربية تشبه حكاية الوحدة العربية.. فمصر التي تتزعّم ريادة الوحدة من عهد عبد الناصر وتعمل على هذه الوحدة بواسطة الجامعة العربية.. هي نفسها مصر التي فرضت على الجزائريين التأشيرة للذهاب إلى الجامعة العربية؟! ولسنا ندري كيف نتحد مع دولة عبر جامعة عربية الذهاب إليها يكون بالتأشيرة؟! وأعترف هنا بأن ردّ الجزائر على المصريين لم يكن قاسيا قياسا بالرد على الأشقاء المغاربة؟! مع أنه كان من الواجب أن يكون الرد على المصريين أكثر قوة منه على المغاربة؟! والمصيبة أن المغاربة فرضوا على الجزائرزيين الفيزا بحجة مكافحة الإرهاب.. فالجزائريون يصدّرون الإرهاب للخارج؟! لكن المصريين قالوا إنهم فرضوا الفيزا على الجزائريين لحماية السياحة المصرية من الفساد الأخلاقي للجزائريات.. هكذا والله؟! لهذا نقول لجلالة الملك محمد السادس خطابك أخلاقي استهلاكي لا يمكن أن تترتب عليه أي آثار في مجال بعث اتحاد المغرب العربي من جديد.. لأن عقلية جلالتك ليست ببعيدة عن عقلية حكام الجزائر في مجال الاتحاد المغاربي! وعندما يكون وضع الشعوب في المغرب العربي في التنقل بين أقطار هذه البلدان أسوأ مما كان عليه في عهد الاستعمار، فلا حق لكم كحكام أن تتحدثوا عن الوحدة المغاربية.. لأن الاتحاد القائم الآن بين حكام المغرب العربي هو اتحاد التعاون البوليسي في القمع وسلب الحريات والاستبداد بالحكم ومصادرة الحقوق.. في هذه فالاتحاد المغاربي قائم بيننا؟!