انسحاب ”العدالة والتنمية” من حركة 20 فبراير أضعفها سياسيا المرجعية الإيديولوجية لا تعيقنا وقد نختلف حتى مع حركة جاب الله يربط سليمان العمراني، نائب رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران، الذي يشغل منصب المدير المركزي في الحزب الحاكم العدالة والتنمية، صعود الإسلاميين للحكم في بلدان المغرب العربي وإسهاماتهم بإعادة إحياء اتحاد المغرب العربي. كما يرجو العمراني أن لا يكون الاختلاف هو الأصل في التعامل بين المغرب والجزائر، من خلال إبقاء قضية الصحراء الغربية في سياقها الأممي، كما يعتبر تأجيل فتح الحدود من ممارسات الماضي، وينفي أن تكون مرجعيته في العمل مع الأحزاب الجزائرية بخلفية إيديولوجية إسلامية. في تقديركم، هل وصول الإسلاميين إلى السلطة في أغلبية بلدان المغرب العربي، يساهم في إعادة إحياء اتحاد المغرب العربي، الذي عرف جمودا منذ 23 سنة؟ نعم والدليل ما نراه هذه الأيام، على الأقل بالنسبة لدول المغرب والجزائروتونس ولييبا، فهي تشهد حركية دبلوماسية غير مسبوقة، منذ 20 سنة، التي شهدت ميلاد اتحاد المغرب العربي. فهذه الحركة يميزها تبادل الزيارات بين وزراء الخارجية، فوزير الخارجية المغربي، سعد الدين العثماني، قام بزيارة إلى الجزائر قبل تنصيب الحكومة رسميا من قبل البرلمان، وأول زيارة له للخارج كانت إلى الجزائر، واستقبل من أعلى مستوى وفي مقدمة المستقبِلين الرئيس الجزائري السيد عبد العزيز بوتفليقة، وهذا فيه رسائل واضحة إيجابية وعميقة. أنا أعتقد أن لقاء وزراء خارجية دول اتحاد المغرب العربي، بالرباط في الذكرى ال23 لتأسيس الاتحاد، كان مختلفا عن السابق. وأنا لا أنكر أن الربيع العربي كان له تأثيره المميز في هذه الديناميكية الجديدة، باعتبار أن في تونس اليوم هناك نظام جديد، والرئيس التونسي قام بزيارة للمغرب، وفي ليبيا كذلك هناك حركية إيجابية نتيجة الربيع العربي الذي أسقط نظام القذافي. وبالنسبة للمغرب، بطبيعة الحال، الأمر كان مختلفا، كان عندنا حراك على المستوى الوطني، لكن بخصوصية مغربية، توجت في النهاية بتحصيل حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى على المستوى الانتخابي بفضل نضاله الديمقراطي طيلة سنوات عانى فيها من بعض القيود، وفي الجزائر أيضا هناك حراك بخصوصية جزائرية، فلكل بلد مميزاته في التغيير نحو الأحسن في إطار الربيع العربي. حتى نقدّر قوة الحزب في المغرب، كم عدد المقاعد التي تحوزون عليها في البرلمان والحقائب الوزارية؟ البرلمان يتألف من مجلسين، الأول مجلس النواب ولدينا فيه 107 برلماني، ونحتل فيه المرتبة الأولى، وهذه نتيجة غير مسبوقة حيث لم يحقق أي حزب في المغرب هذا الفوز الانتخابي من قبل. بعد مرور سنة على ميلاد حركة 20 فبراير، نسجل اليوم تراجعا ملحوظا لها، قياسا بالقوة التي كانت تتمتع بها خلال انطلاقها، في تقديرك إلى ماذا يرجع هذا الفشل اليوم؟ جاءت حركة 20 فبراير في سياق التغيير الذي عرفته تونس وليبيا ومصر، لهذا قلنا حينها إن الحزب يتقاطع مع هذه الحركة على مستوى مجمل المطالب الديمقراطية ومحاربة الفساد، لكن نختلف معها في الشكل، أي في طريقة المطالبة، بعد ذلك جاء خطاب الملك في 9 مارس، الذي فتح صفحة جديدة للمغرب على المستوى السياسي والديمقراطي وبه انطلقت ورش إصلاح الدستور، وتم في النهاية اعتماد دستور جديد متقدم، رسم معالم مشهد مؤسساتي متميز للمغرب، لكن لا ننكر أن حركة 20 فبراير كان تأثيرها مع ذلك، لأنه مع ذلك كانت حركة سلمية هادئة مؤثرة متزنة على العموم، شهدت في بعض الحالات بعض الممارسات الشاذة، ولكن في العموم بقيت في إطار المطالبة بالديمقراطية وإصلاح الأوضاع في البلاد، ولذلك من هذه الزاوية كان لها تأثيرها الإيجابي والجيد. بعد ذلك انطلقت في المغرب ورش تحضير الانتخابات التشريعية، والذي لاحظناه أن التحضير القانوني على مستوى البرلمان كان دون السقف السياسي الذي رسمه الدستور الجديد، وكان التحضير للانتخابات يتجه وفق المنطق السابق على مرحلة الربيع العربي، وبالرغم من التضييق الذي أريد أن يمارس على حزب العدالة والتنمية، إلا أن الناخب المغربي اختار اختياره في النهاية وكانت له كلمته فمنح لنا الثقة وأعطانا المرتبة الأولى. ومنذ الانتخابات التشريعية الأخيرة إلى اليوم عرفت حركة 20 فبراير بعض التحولات، بسبب انسحاب حركة العدل والإحسان منها، والهيئات الباقية ضمنها ليس لها وزن عددي معتبر، لذلك فانسحاب العدل والإحسان أضعف 20 فيفري كثيرا عدديا وسياسيا. قد نفهم سبب الضعف من الناحية العددية؛ لكن هل لك أن توضح لنا أكثر أمر الضعف السياسي؟ في حدود شهر يناير قررت جماعة العدل والإحسان الانسحاب من الحركة مما أضعفها عدديا وسياسيا، أما الأمر الثاني فلأن جزءاً من مطالب الحركة تحققت أو بدأت معالم تحققها تظهر، كان على حركة 20 فبراير أن تأخذ في الحسبان التغيرات الجديدة والانتخابات التشريعية الأخيرة، وكان عليها أيضا أن تأخذ بعين الاعتبار أن هناك حكومة جديدة سياسية اليوم يقودها حزب العدالة والتنمية الذي كان له إسهامه المقدر في التحول الديمقراطي الذي عرفه المغرب. هذه الحكومة لها برنامج تعاقدي مع البرلمان ويلتقي في معظم إجراءاته مع مطالب الحركة التي تنادي بالديمقراطية ومحاربة الفساد والمفسدين والريع، كل هذه المطالب التي تتبناها الحركة نحن الآن كحكومة في صلب برنامجنا واهتماماتنا. لا أثير هنا السؤال الداعي لاستمرار الحركة، فالتظاهر حق مشروع، ومكفول دستوريا، لكن أعتقد أن وظيفة الحركة من هذه الزاوية قد ضعفت، لأن جزءاً من المطالب تحقق والحركة اليوم مدعوة لإعطائنا فرصة لكي نترجم إرادتنا إلى واقع ملموس. ولا أنكر أن استمرار الحركة في الوجود له إيجابياته لأنه يحقق التدافع داخل المجتمع ويشكل ضغطا على الحكومة حتى تكون أحسن في الاستجابة إلى مطالب الشعب، فمن هذه الزاوية فهي حركة نافعة، لكن هناك فرصة لابد من إعطائها للحكومة. منذ وصولكم إلى الحكومة ما هي أهم النتائج المبدئية التي حققتموها؟ الحكومة لم تعرف الوجود القانوني إلا قبل 3 أسابيع، وهي فترة غير كافية بالمرة لتقييم عملها، ومع ذلك فالأطراف السياسية التي لا تشارك في الحكومة تمنح مدة 100 يوم لكي تظهر بعض إنجازاتها، ومع ذلك فهناك مؤشرات ايجابية، وهي بصدد وضع مشاريع قوانين تنظيمية ومشاريع القوانين العادية، لكي تحيلها على البرلمان والحكومة اليوم بصدد إحالة مشروعين، الأسبوع الماضي انطلقت جلسات الأسئلة الشفوية لمساءلة الحكومة، بشأن السياسات العمومية والقطاعية، وقد كانت الجلسة الأولى غنية بالرسائل، فقد سجلنا حضور وزير الداخلية ووزير العدل والحريات، ليجيبا على الأسئلة كل من زاويته، وهذا لم يحدث في الماضي القريب، وكان وزير الداخلية لا يأتي للبرلمان إلا لماما. كما سجلنا حضورا مكثفا للبرلمانين، حيث كنا نسجل إلى عهد قريب غيابا لافتا للوزراء وللبرلمانين معا، وهذا يؤشر على حركية جديدة تشهدها المؤسسة التشريعية. تسمية حزب العدالة والتنمية، تتشابه مع تسمية الحزب التركي الحاكم، فهل الأتراك مرجعية سياسية بالنسبة لكم؟ بالمناسبة كانت للأتراك زيارة للمغرب في سنة 2000، وكنا حينها قد غيرنا اسمنا إلى حزب العدالة والتنمية، وتغييرنا لتسمية الحزب كان مبنيا على تشخيص وتفكير وتحليل، وقلنا إن أهم المعضلات التي يعرفها المغرب اليوم هو غياب التنمية الحقيقية للإنسان والمجال وهناك عدالة غائبة، ومن هنا جاءت التسمية، هم من نقلوا عنا التسمية. يشكك البعض في كونكم حزبا معارضا، ويصنفونكم في خانة المعارضة التقويمية، أي التي هي عبارة عن واجهة للمعارضة، فما تعليقكم؟ نحن نعتمد على الورقة المذهبية للحزب التي ترسم معالم المنهج الفكري للحزب، التي من أهم مرتكزاتها الوسطية والاعتدال، فنحن نشتغل داخل المؤسسات ونسعى لنكون شريكا في تدبير الشأن العام الوطني، لكن عملنا محكوم بمنهج الوسطية والاعتدال والموضوعية في إطار ثوابت البلد وهي الإسلام والنظام الملكي والوحدة الوطنية. ومن مقتضيات ذلك أن نساند القضايا الإيجابية التي تأتي من الحكومة ولو كنا في مقعد المعارضة، لا أن نرتهن لمنطق المعارضة الميكانيكية الذي حكم الممارسة السياسية منذ زمان، وهو المنهج الذي خول لنا اختيار موقع المساندة النقدية لحكومة التناوب التوافقي. ما هي طبيعة علاقتكم بالأحزاب الجزائرية، ومن هي الأقرب إليكم؟ كان المطلب الأساسي لمجمل الفاعلين السياسيين في المغرب في الفترة الأخيرة هو المطالبة بإصلاح ديمقراطي، بصرف النظر عن كونها تتشارك نفس الرؤية الإيديولوجية أم لا، لذلك يمكن أن نلتقي مع الاتحاد الاشتراكي مثلا وأن نختلف مع حزب الاستقلال، بالرغم من افتراقنا المذهبي مع الأول وتقاربنا مع الثاني. لذلك توجهنا في المؤتمر الوطني السادس للحزب المنعقد سنة 2008، إلى إقرار أطروحة قائمة على أولوية النضال الديمقراطي، وهي الأطروحة التي نلتقي فيها مع أحزاب سياسية عديدة ومنها بعض الأحزاب اليسارية. وفي أول انتخابات محلية سنة 2009 نسقنا مع الاتحاد الاشتراكي في مجموعة من المدن المغربية لتشكيل التحالفات رغم اختلافنا المذكور معهم. هذا المنهج يحكمنا مع الأحزاب خارج المغرب، فمثلا بالنسبة للجزائر، فإن الذي يحكم العلاقة بيننا وبين الأحبة الجزائريين، ليس هو الاعتبار المرجعي، فيمكن مثلا أن نختلف مع حركة الشيخ جاب الله، رغم أننا ننتمي إلى نفس المرجعية، وقد نلتقي مع أحزاب أخرى ليست لنا معها نفس المرجعية. في النهاية الذي يحكم علاقة الحزب مع الأحزاب المغربية، هو نفس المنطق الذي يحكمه مع الأحزاب الجزائرية وغيرها، وهذا من شأنه أن يوسع دائرة التحالفات ومساحات العمل المشترك. إذاً الإيديولوجية بالنسبة لكم ليست عقبة؟ نعم؛ إذا تحالف الإسلاميون فيما بينهم واليساريون فيما بينهم واليمينيون فيما بينهم، هذه التحالفات تشكل عوائق، في حين هناك قواسم عديدة مشتركة، فقد نتفق على 9 قضايا ونختلف في واحدة، فلماذا نجعل الاختلاف على قضية واحدة يعلو على القضايا التسع المتفق بشأنها، نحن يجب أن نتلاقى لخدمة المواطن. في اللقاء الأخير لوزراء خارجية دول الاتحاد المغاربي، طرحت قضية الحدود، فماذا يمكن أن تستفيد الجزائر في حالة فتح الحدود مع المغرب؟ المغرب والجزائر شعب واحد، وهناك قاسم تاريخي مشترك بين البلدين، وهناك إرادة سياسية مشتركة لإنهاء هذا الملف الذي ينتمي للمرحلة الماضية. من النتائج الإيجابية التي يمكن أن يتيحها فتح الحدود، تبادل الزيارات بين العائلات المغربية والجزائرية، وعلى المستوى الاقتصادي يمكن خلق فرص للاستفادة المشتركة. فالمغرب مثلا يمكن أن يفيد الجزائر في مجال الفلاحة وقطاع البناء، لأن هناك خبرة مغربية في هذا المجال يمكن أن تعوض اليد العاملة الصينية التي تعتمد عليها الجزائر في مجال البناء، وفي المقابل تمتلك الجزائر الغاز، وفي النهاية الأمر يحتاج لدراسة وتقييم النتائج على الطرفين. تعامل الغرب مع الإسلاميين اليوم في بلدان المغرب العربي فيه الكثير من التناقض، فهي التي كانت دائما تنتقد التيار الإسلامي ولا تتعاون معه، وإذا بها اليوم تقوم بالعكس، ما رأيك؟ الأنظمة الغربية دعمت في السابق الأنظمة السابقة في تونس وليبيا ومصر، رغم ديكتاتوريتها، وكانت تتعامل بتوجس مع القوى الديمقراطية، اليوم نلمس الاستعداد للتعامل معها وهذا أمر جديد. نقول للدول الغربية أن تراجع حساباتها لأن الربيع العربي قد أنهى الأنظمة السابقة، وحقيقة فالدول الغربية على المستوى الداخلي تمارس الديمقراطية، لكن على المستوى الخارجي تتعامل مع الأنظمة الديكتاتورية. هناك سياسة الكيل بمكيالين ونحن ندعوها إلى رسم سياسة جديدة وأن تحترم الأنظمة الجديدة لأن الشعوب هي التي اختارتها ومنحتها الثقة. ما هو سبب تراجع الأحزاب اليسارية في المغرب، بعد أن كانت تتمتع بقوة في السابق؟ هناك أسباب متعددة من بينها سقوط جدار برلين وانهيار النظام الشيوعي في عقر داره، وانهيار الفكر الماركسي، كما أن المواطن العربي لم يبق عنده نفس الحماس مع الحركات اليسارية وربما لم تنتج للمواطن العربي والمغربي سياسات تنموية يجد فيها نفسه. على العكس من ذلك فإن الحركة الإسلامية بالمغرب، كان عندها وجود على المستوى الجمعوي، وتنشط في العمل الاجتماعي والعمل الفكري، الأمر الذي انشأ لها وجودا اجتماعيا معتبرا، لأنها ظلت قريبة منه تخدمه، ومن هنا تستمد قوتها وحضورها الشعبي في الأوساط الواسعة. كلمة أخيرة؟ إحياء العلاقات البينية لبلدان المغرب العربي يحتاج إلى سنوات، ومن موقعنا الحكومي لدينا إرادة في إحياء هذه العلاقات المغاربية وخاصة مع الجزائر، سيكون هناك عمل جماعي بين مختلف الإخوة الفرقاء، نتمنى أن يكون هناك حراك جديد. يجب أن يكون الاتحاد المغاربي نموذجا في العمل البيني وأن يتجاوز الخلافات ويصل إلى ما وصل إليه مجلس التعاون الخليجي. رجائي أن يحدث اتفاق. لماذا نجعل الاختلاف هو الأصل والأساس، فقضية الصحراء مثلا يجب أن تترك في سياقها الأممي، ونعمل سويا ونتعاون في باقي الأمور، فلماذا نؤجل قضية فتح الحدود مثلا. لابد من إحياء فعلي للاتحاد والاستفادة من التبادل الاقتصادي.