فوز حزب العدالة والتنمية المغربي الإسلامي بقرابة 100 مقعد من بين 395 مقعدا في مجلس النواب في أول تشريعيات تنظم وفق التعديل الدستوري الجديد، هو بالفعل فتحول تاريخيف ألحق المغرب بتونس وليبيا في مغرب عربي لم يعد يخوف ببعبع الإسلام السياسي· كما وصفه مصطفى الخلفي، مدير صحيفة التجديد الناطقة باسم الحزب، حتى وإن كانت المشاركة الضعيفة حوالي 45 في المائة جاءت مخيبة لآمال الأحزاب التقليدية، وقد تفسرها الأطراف التي دعت إلى المقاطعة، كنوع من الاستفتاء على رفض مقتضيات التعديل الدستوري الجديد· وأفضت التشريعيات في المغرب إلى فوز مزدوج للإسلاميين، وعززت التقديرات بحصول تسونامي إسلامي في عموم الفضاء العربي، الخاضع لحراك ما سمي بالربيع العربي، سواء في الدول التي نجح فيها بإحداث تغيير جذري، وإسقاط رؤوس النظم، أو في الدول التي سارعت، مثل المغرب، إلى تبني إصلاحات استبقت بها مطالب الشارع· فالإسلاميون في المغرب توصلوا بهذا الفوز لجناحهم المعتدل إلى انتزاع رئاسة الحكومة لأول مرة في تاريخهم، حتى وإن كانت الترتيبات الدستورية الجديدة ونظام الاقتراع، يجبرهم على الدخول في تحالفات مع قوى غير إسلامية· كما نجح الجناح الإسلامي الراديكالي المحظور (العدل والإحسان) في إفساد العرس على الجميع بالدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، وقيام برلمان لا يمثل سوى 45 في المائة من الناخبين، يكون قد أرضى القصر الملكي والدوائر الغربية المتخوفة من ”التسونامي الإسلامي”· استنساخ التجربة الجزائرية مع الإسلام المعتدل النتيجة لم تكن مفاجئة، لا من حيث نسبة المشاركة المتدنية بعد عزوف الناخبين المغاربة عن المشاركة، التي كانت في التشريعيات السابقة أقل من 37 في المائة، أو من حيث تفوق حزب العدالة والتنمية الذي حظي، منذ دخوله اللعبة الديمقراطية، بدعم خفي من القصر الملكي، في محاولة لتحجيم الإسلام الراديكالي· التجربة تذكرنا بما حصل مع الإسلاميين في الجزائر، وقيام نموذج مستقر لمشاركة الإسلاميين، تعمل كثير من الأنظمة العربية على استنساخه، بما في ذلك الدول المقبلة على إشراك الإسلاميين في الحكومة في مصر وتونس واليمن· ومع هذا الفوز المتوقع للإسلاميين في المغرب، فإن المتابعين للمشهد السياسي، في المغرب وفي العواصمالغربية، ليسوا قلقين فوق ما ينبغي من فوز الإسلاميين، لا في تونس ولا الآن في المغرب، لأن الترتيبات الدستورية والقانونية في البلدين لا تسمح بتفرد الإسلاميين بالسلطة· كما أن النهضة وحزب العدالة والتنمية قد اجتهدا في وقت مبكر من أجل طمأنة الشركاء في الداخل، والقوى الغربية في الخارج· فمن جهة التأطير الدستوري كان القصر الملكي قد احتاط بما فيه الكفاية، في هذا الانفتاح المحدود نحو بناء ملكية دستورية، حتى لا تحرق فيها المراحل، فأغلق اللعبة من جهة منع قيام أغلبية داخل البرلمان يتفرد بها الإسلاميون، عندما اعتمد نظام الاقتراع النسبي، أو من جهة صلاحيات رئيس الحكومة القادم، الذي يبقى محروما من الكثير من الصلاحيات حفظها التعديل الدستوري للملك· تقييد الإسلاميين بالحكم داخل تحالفات فعلى المستوى الأول، سوف يجد حزب العدالة والتنمية نفسه مجبرا على بناء تحالف حكومي مع أحزاب، يعلم قربها من القصر، وارتباطها بالمخزن، ولن يكون طليق اليد، مع حاجته إلى دعم أكثر من ربع أعضاء البرلمان الجديد، ذلك أن نتائج الاقتراع قد أفضت إلى حصيلة تتقاسمها الأحزاب الكبرى، وفي مقدمتها حزب الاستقلال الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي، وحزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب الأصالة والمعاصرة، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب الحركة الشعبية· ذلك أن نمط الاقتراع المعتمد في الانتخابات المغربية، لا يتيح إمكانية الفوز بالأغلبية المطلقة لمقاعد المجلس النيابي، ويحتم بالضرورة الذهاب إلى تحالف سياسي في إطار ائتلاف حكومي لا يقل عن أربعة أحزاب بقيادة حزب الأغلبية· وفي هذا الإطار، يرجح أن تتشكل الحكومة المغربية القادمة بقيادة حزب العدالة والتنمية من أحزاب تحالف الكتلة الديمقراطية التي تضم فالاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية، بالإضافة إلى حزب الحركة الشعبية· ويبلغ عدد النواب في البرلمان المغربي 395 نائبا، منهم 305 نائب ينتخبون على مستوى الدوائر الانتخابية المحلية، و90 نائبا يُنتخبون على مستوى الدوائر الانتخابية الوطنية، أي بزيادة 70 نائبا إضافيا عن عدد نواب البرلمان السابق المنتخب في العام .2007 وقد شارك في هذه الانتخابات أكثر من 7 آلاف مترشح توزعوا على 1565 قائمة انتخابية لأكثر من 31 حزبا، مما ساعد على تشتت الأصوات، وامتناع قيام أغلبية لحزب واحد، وهذا ما قصد إليه التعديل الدستوري الجديد، الذي أقر منذ خمسة أشهر في استفتاء شعبي، كان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد اقترحه في خطوة وصفها المراقبون بأنها حركة استباقية، لتفادي الاحتجاجات الشعبية التي شهدها عدد من الدول المجاورة· ويمنح الدستور الجديد صلاحيات أكبر لرئيس الحكومة، ودورا مميزا للبرلمان في العملية التشريعية، حيث بات مفروضا على الملك تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي يفوز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية· حكومة إسلامية لرعية أمير المؤمنين غير أن هذه الالتزامات لن تغير شيئا من هيمنة القصر على الحياة التشريعية والتنفيذية، بل قد توفر الحالة الجديدة، مع وصول حزب إسلامي لرئاسة الحكومة، فرصة مميزة للقصر الملكي لتوجيه الغضب الشعبي، من تردي مفردات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، نحو الائتلاف الحكومي الجديد، وتحديدا إلى رئاسته الإسلامية، كما سيضع الحكومة فالإسلاميةف في الواجهة أمام القوى التي عارضت التعديل الدستوري، سواء من الإسلاميين الراديكاليين من حركة العدل والإحسان، أو من جبهة قوى 20 فبراير التي تتألف من ثلاثة أحزاب وتجمعات شبابية، كانت قد دعت إلى مقاطعة الانتخابات· الحكومة الجديدة، بقيادة العدالة والتنمية، سوف تواجه نفس التحديات المطروحة الآن على حزب النهضة في تونس، من جهة التصدي لوضع اقتصادي واجتماعي مترد أصلا، قد يتفاقم أكثر على خلفية الأزمة الاقتصادية العالمية· كما سوف تواجه كما هائلا من الابتزاز من الأحزاب الحليفة للقصر والمخزن، سوف تعمل على تحجيم أطماع الحزب الإسلامي في إصدار تشريعات يرضي بها قاعدته الإسلامية، ويضيق بها على قواعد الحركات الإسلامية الراديكالية المنافسة· كما سوف تمنعه الأحزاب الحليفة من تنفيذ برنامج محاربة الفساد داخل منظومة المخزن بحكم تحالفاتها العضوية مع المخزن ومع القصر· أموال خليجية لتعضيد حكومات مغرب إسلامي على المستوى الإقليمي، وتحديدا في الملفين الساخنين: ملف الصحراء الغربية والعلاقة مع الجارة الجزائر، سوف يجبر حزب العدالة على مزيد من التناغم مع سياسة القصر والمخزن، ولن يسمح له تحالفه مع حزب شوفيني مثل الاستقلال الذي يكن الكثير من العداء والأطماع التوسعية تجاه الجزائر، لن يسمح له بترقية العلاقة مع الجارة الشرقية للمملكة، إلا بما يسمح به القصر وأحزاب الموالاة داخل الائتلاف· غير أنه، ومع كل هذه المحاذير، فإن الحالة الإسلامية القائمة منذ اليوم في المغرب وتونس وليبيا سوف تضغط ربما سلبا على فرص إعادة إحياء الاتحاد المغاربي، خاصة مع تعاظم الحضور الخليجي على المستوى السياسي والأمني، وعلى مستوى تدافع الصناديق السيادية الخليجية، القطرية والإماراتية، نحو الاستثمار في المغرب وتونس، وصرف البلدان الثلاثة ليبيا وتونس والمغرب عن الانشغال ببناء الفضاء المغاربي، وسف تجد في الحكومات الإسلامية في البلدان الثلاث آذانا صاغية، مع حاجة تلك الحكومات إلى دعم مالي يسمح لها بدعم وإنجاح برامجها·