الإخوان المسلمون في مصر دخلوا في صراع مع العسكر مفتوح على كل الاحتمالات بما فيها الاحتمالات الأكثر سوءاً. لقد باركت أمريكا والدول الغربية تحالف الإخوان (وخاصة شباب الإخوان) مع العسكر في الإطاحة بمبارك وحزبه المسمى بالحزب الوطني والإطاحة بالقوة التي أوجدها مبارك مثل قوة المال الفاسد والأمن الفاسد. كان الاتفاق بين العسكر والإخوان على تقاسم السلطة في العهد الجديد هو أن يلزم الإخوان حدهم في البرلمان بنسبة ضعيفة ويتركوا الحكومة والرئاسة للجيش وبقية القوى الأخرى. ولكن الإخوان تخلوا عن الالتزامات الأخلاقية السياسية التي أعلنوها للناس.. فحولوا الأغلبية البسيطة التي كانوا يطمحون إليها في البرلمان إلى أغلبية ساحقة ماحقة فتحت شهيتهم إلى التمدد نحو الحكومة.. بل وأحسوا بالقوة أمام الفراغ السياسي الرهيب الذي تركه رحيل الحزب الوطني وفساده وأمنه في البلاد فأرادوا إعادة صياغة الحياة في مصر من خلال إعطاء أنفسهم الحق في وضع الدستور لوحدهم.. فباتت مصر عبارة عن إسلاميين هم الكل في الكل وبقية مصر لا تساوي شيئا.. بل وتمددوا إلى حد تهديد العسكر بمحاسبتهم عما حصل في عهد مبارك وما بعده من أحداث ومراقبة ميزانية الجيش.. تماما مثلما قال الفيسيون عندنا عشية الانتصار الانتخابي في 1991 إنهم سيعيدون صياغة الحياة في الجزائر وسيشنقون الجنرالات في ساحة الشهداء! المصريون البسطاء الذين انتخبوا على الإخوان لأنهم تيار سياسي أخلاقي يعيش على فكرة أخلقة السياسة منذ 80 سنة.. ها هم - المصريون - يكتشفون في الإخوان أنهم ساسة بلا أخلاق مثلهم مثل فساد مبارك.. يكذبون في السياسة أكثر مما كان يفعل سفهاء الحكم البائد! ويسعون إلى السلطة وممارسة الإقصاء للآخر أكثر مما كان يفعل أزلام مبارك! الوضع الأخلاقي لممارسة السياسة في عهد الإخوان واصل تدهوره.. والوضع الاقتصادي انهار بصورة مفعجة.. والوضع الأمني أصبح كارثة وطنية.. ومصر التي كانت تطمح لقيادة العرب والعجم أصبحت لقمة سائغة في فم وكلاء السياسة الأمريكية والإسرائيلية في الخليج.. باختصار مصر الكبيرة أصبحت لا تخيف أحدا بل تخاف من الجميع حتى من قطر والسعودية! ومن أطرف ما سمعت أن منى الشاذلي الصحفية اللامعة قالت في قناة دريم: إن حزبا جزائريا لم تذكر اسمه قد مول حزبا مصريا بمبلغ 25 مليون دولار في سياق "التخلاط" داخل مصر بالمال الحرام! ولست أدري ما هو هذا الحزب الجزائري الذي يملك هذا المبلغ الضخم من المال ويساعد به الحزب المصري؟! يا ليت الصحفية منى تتكرم علينا بذكر الحزب الجزائري هذا.. ربما نكتشف أن الأمر يتعلق بتحويل أموال من الخارج إلى الحزب الجزائري وتحويلها بعد ذلك إلى مصر! أي أن الأمر عبارة عن ترابندو خليجي عبر الجزائر؟! نعم مصر تعيش محنة حقيقية.. صحيح أنها حرب أهلية سياسية على البارد وليست على الساخن كما كان الحال عندنا.. إلا أن مصر بحجمها وموقعها ومهامها في المنطقة لا تتحمل حربا أهلية سواء كانت باردة أم ساخنة.. والأكيد أيضا أن هناك محاولات جادة لتحويل الحرب الأهلية الباردة إلى حرب ساخنة ولكن الشعب المصري لا يريد ذلك.