بات واضحا أن صراع قوى قد نشب بين الإسلاميين والعسكر في مصر! وأن العسكر هم من حرضوا على الإطاحة بنظام مبارك حتى لا يسحب من العسكر الحق الإلهي في تعيين الرؤساء وينقله مبارك إلى ابنه كتوريث.. وأن شباب الإسلاميين القوة الرئيسية السياسية المنظمة في مصر هم من التقط رسالة العسكر عبر الفايسبوك وخرجوا إلى الشارع. منذ سنوات استمعت إلى أستاذ مصري محاضر ألقى محاضرة حول الوضع في مصر في جامعة جيجل وقال: إنه مع سياسة التوريث وتولي جمال مبارك الرئاسة واستغربت وقتها هذا الموقف من أستاذ دكتور مصري.. وبعد انتهاء المحاضرة ذهبت إليه لأسأله عن سر هذا الموقف الغريب الذي يجعل مثل هذا الأستاذ يفضل التوريث على حكم العسكر.. فقال لي: التوريث يضمن لنا في مصر أمرين: الأول هو نقل الرئاسة من حالة الحق الإلهي المعطى للثكنة منذ نصف قرن إلى المدنيين.. ومثل هذه الخطوة لا يمكن أن تحدث إلا بالتوريث.. والأمر الثاني: هو أن مبارك الابن هو من الجيل الشاب.. ونقل السلطة من الشيوخ المكعبرين عقلا وجسما لا يمكن أن يتم إلا بالتوريث هذا.. فالأمر إذن هو مصلحة وطنية وليس تزلفا للرئيس مبارك.. فلابد من مرحلة انتقالية وليكن التوريث هو عنوان هذه المرحلة! لم أفهم ما قاله هذا الأستاذ المصري في محاضرته في جامعة جيجل إلا عندما شاهدت ذلك الصراع الدموي الجاري بين الجيش المصري وشباب الإخوان على من له الأحقية في وضع الدستور وحمايته من سطو الآخرين.. ومن له الأحقية في تعيين رئيس مصر القادم! رغم أننا في الجزائر عبرنا مثل هذا الجدل بين المؤسسة العسكرية والإسلاميين خلال سنوات 1990 و1991 وما أدى إليه هذا الحوار البارد والساخن من أهوال ما تزال البلاد تعيش تبعاتها إلى اليوم. نعم مصر قد لا تنزلق إلى ما انزلقت إليه الجزائر لكن مصر قد تعرف أهوالا من نوع آخر غير الأهوال التي عرفتها الجزائر.. فمصر فيها طائفية مخيفة.. ومصر اقتصادها هش ولا يقبل التوترات الاجتماعية والسياسية.. ومصر مفتوحة في أمنها واستقرارها على مخاطر عدة منها ما هو مرتبط بجيرتها لإسرائيل ومنها ما له علاقة بمنابع النيل.. وثالث المخاطر هو تحكمها في أهم معبر مائي عالمي قاري في الكون.. ورابع المخاطر هو دورها الإقليمي العربي والإسلامي.. ومن هنا فإن حجم المخاطر كبير مثلما هو صراع القوى في مصر كبير أيضا!