.. ولمّا كان قطيع الدّشرة (الحيحاي) بلا فحل، لذلك أشار (الحكيم ) على الجماعة بشراء (عتروس) فحل يُخصّب العنزات، وفعلا كان الأمر كما أشار الحكيم، فقد تكاثر القطيع وتناسل وكثر الحليب واللحم، فشهدت الدّشرة سنوات من الرّخاء والرّفاه.. في تلك الأثناء كان العتروس يعيش محنة كبيرة، وفي كل ليلة يبيت مختبئا في زقاق من الأزقّّّّّّة عرضة للجوع والبرد ولمطاردة الكلاب الضّالة، لأن كلّ سكّان الدشرة كانوا يطردونه ويرفضون دخوله إلى بيوتهم مساء، بسبب رائحته الكريهة، بعد أن يقضي من عنزاتهم وطره، وينتهي موسم التخصيب.. في إحدى الصباحات وجد العتروس مضرّجا بدمائه، وقد نهشت الكلاب جسده، فحُمل إلى بيت شيخ الجماعة، الذي كان عاقرا لذلك فقد استجاب لنصيحة الحكيم بأكل ما تبقّى من أحشاء العتروس وجهازه التناسلي، عساه يفيده في علاج العقم الذي كان يحول بينه وبين الذريّة.. عادت الدشرة إلى سابق عهدها مع الجوع بعد موت العتروس الفحل، إلى أن أشار (الحكيم ) مرّة أخرى على الجماعة بشراء عتروس (مالطي) من أجل الحصول على جداء بلا قرون وبعيون زرقاء وجلود شقراء.. بشرط أن يدلّلوه ويوفّروا له ما لذ ّوطاب من وسائل الراحة.. لكن سرعان ما أصيب كثير من سكاّن الدشرة بأعراض الحمّى المالطية، بعد شربهم لحليب الماعز ولبنها الملوث، وقد أثبتت التحاليل أن السبب في تفشّي هذا الوباء هو العتروس المالطيّ الذي حمل معه فيروس المرض من بلده مالطا إلى الدشرة.. ثمانية هوامش للثامن جوان: - 1 - في الجزائر لا مجال للحديث عن معنى ”الشّاعر الفحل”، الذي يساهم في إخصاب الذائقة الجمالية والمخيال الجماعي لمواطنيه، لأن هناك إرادة لإخصاء كل الفحول مع سبق الإصرار، حتّى إن شاعرا كبيرا قالها يوما في رسالة وجّهها لمن يهمّهم الأمر”.. وتُخصى في مرابعها الفحول ”.. الشاعر معدود ضمن فئة الدراويش والمعتوهين، لكن حين يجدّ الجدّ يصبح فارسا يصلح للكرّ والفرّ.. - 2 - وضعُ الشاعر الجزائري اليوم، وضع في غاية الحساسيّة يبعث فعلا على الحرڤة، التي نغّصت علينا بهجة الاحتفاء بعيد الفنّان.. تصوروا أن شاعرة واحدة فقط،، كانت ضمن أسماء كثيرة من التشكيليين والسينمائيين و المغنّين والراقصين تمَّ تكريمها في حفل يوم الفنّان الذي أشرفت عليه وزيرة الثقافة الجزائرية. وكأن الجزائر عقُمت عن إنجاب الشعراء و الشاعرات وما أكثرهم. - 3 - حين أقول وضع الشّاعر أقصد به الشروط السوسيو ثقافية التي تحيط به، والتي عادة ما تكون إما عاملا محفزا للإبداع أو عاملا مدمّرا للموهبة، وأيا تكن قدرة الشاعر على التحمّل والمواجهة فإن هذا الشرط الخارج عن إرادة الشاعر، قد كان حاسما في وضع حدّ لكثير من الملَكات والمواهب الشعرية التي كان يمكن أن تذهب بعيد في تحقيق فتوحات شعرية غير مسبوقة. - 4 - حادثة هروب الشاعر الجزائري الكبير عثمان لوصيف، التي رواها رشدي رضوان في عدد سابق ل”الفجر الثقافي”، كان من المفروض أن تهزّ ضمير القائمين على الثقافة في بلادنا، بالنظر إليها كصرخة احتجاج على الوضع المزري والهوّة السحيقة التي هوى فيها كثير من شعراء الجزائر بفعل اللامبالاة والتجاهل.. لقد استنفد الشّعراء الجزائريون كل صيغ الاحتجاج، وطرق الرفض المختلفة من: انتحار وموت وحرق لكتبهم وهجرة وصمت و غبن، ومع ذلك لا أحد التفت إليهم وإلى معاناتهم.. - 5 - حدّثني من أثق فيهم أن كبار المسئولين، ومن بيدهم سلطة القرار، ينظرون إلى الشّاعر على أنه بهلوان لا وظيفة له غير التسلية وتأثيث البلاطات والمجالس بالمدح والتهريج.. يظلّ الشاعر هو الحلقة الأضعف في منظومتنا الثقافية، فنّان غير قابل للتصنيف، مكانه في آخر السلّم، متى يصبح الشاعر فنّانا كامل الحقوق؟ له ما له من حقوق، وعليه ما عليه من واجبات..؟ - 6 - يفاجأ كثير من المسئولين على الهيئات والمؤسسات الثقافية والإعلامية حين يتجرّأ شاعر على طلب حقوقه الماديّة كتعويض مالي مقابل مشاركته في أمسية أوملتقى أو فعالية ثقافية أو حصّة تلفزيونية أو إذاعية، لأنهم ينظرون إليه على أنه بائع كلام، ولا حقّ في”الكاشي” الذي يسلم بسخاء إلى المغنّين والراقصين أوللشّعراء والكتّاب العرب والأجانب.. - 7 - منذ فترة كفت مؤسساتنا الثقافية عن رعاية ملتقيات الشّعر الكبرى وعكاظياته، تاركة إياه لقدره المجهول، ولمبادرات مزاجية يؤسّس لها رؤساء جمعيات وروابط يدعى لها شعراء وشاعرات من الدرجة الأخيرة.. وبالمقابل ازدهرت سوق الرواية نشرا واهتماما.. - 8 - لكل فنّ من الفنون مؤسّسات ترعاه وتعمل على ترقيته، فالمسرح الوطني الجزائري بالعاصمة والمسارح الجهوية كلّها هي المأوي الطبيعي لفن المسرح، أما المتاحف ومدارس الفنون الجميلة فهي الحضن الذي يرعي الرّسم والخط ّوفنون التشكيل، وكذلك الغناء والموسيقى بمعاهدها، والسينما التي صار لها مهرجان في كلّ مدينة أما الشعر الجزائري فهو فنّ يتيم، وبلا مأوى، فن ملعون ومشرّد، أليس حريًّا بنا أن نفكّر في تأسيس بيت الشعر الجزائري.. أليس للشعر ربٌّ يحميه؟ أحمد عبدالكريم