في الوقت الذي بدأت فيه البلدان العربية تتنصل من النظام السوري بعد المجازر اليومية المنسوبة إليه وتصلب مواقفه بشأن ما يجري في بلاده، جاءت الطائرة التركية التي أسقطتها سوريا في مياهها الإقليمية لتضفي نوعا من الشرعية على مواقف الأسد وتدعم موقفه داخليا، لأن الواقعة تعطي انطباعا أن سوريا تتعرض لعدوان خارجي، خاصة وأن الطائرة عسكرية استكشافية وضبطت في المياه الإقليمية السورية. ثم، لماذا طائرة استكشافية الآن فوق الأراضي السورية، في الوقت الذي تعيش فيه المنطقة حربا أهلية وقطيعة خارجية، إن لم تكن العملية مقصودة؟ وكأن الأتراك يريدون من وراء ذلك جر سوريا للرد بإسقاط الطائرة، ومن ثم يعطي لدول الناتو الذريعة لشن هجوم على سوريا، دون الرجوع إلى مجلس الأمن، وفقا للبند الخامس من ميثاق الحلف الذي يقضي بالرد الفوري على أي اعتداء تتعرض له أية دولة عضو في الحلف. قضية الطائرة التركية عقدت من الوضع السوري أكثر، لأنها أعطت سوريا المبرر للتصعيد العسكري في الداخل والخارج، مثلما توعدت بالرد بقوة على كل محاولات الاعتداء على التراب السوري، ولن يكون هذا آخر المناوشات بين تركيا وسوريا، فهذه الحادثة أعادت إلى الأذهان العداوات القديمة، فسوريا لم تنس خسارتها للواء الاسكندرونا، التي جمدت العلاقات بين البلدين لعقود من الزمن، وستستغلها سوريا بكل الطرق للانتقام من عدوها التقليدي الذي يساند اليوم الجيش الحر وفتح ترابه للاجئين وترك حدوده مفتوحة لمد الجيش الحر بالأسلحة ومرور المرتزقة لمحاربة النظام السوري. حتى الآن اقتصر اجتماع الناتو على البند الرابع، وهو إعلام الأعضاء بحادث استهداف الطائرة التركية، ولم يتطرق مثلما قال راسموسن إلى البند الخامس الذي يقضي بالتدخل الفوري، وانتهج الاجتماع منهج التهدئة، لكن تهديد تركيا باستهداف أي طائرة سورية تدخل مجالها الجوي ينذر بأن هناك تصعيدا للوضع وأن كسر عظم النظام السوري بات وشيكا، مثلما يستشف من تصريحات كل المسؤولين الأتراك الذين علقوا على القضية .. الصيف سيكون ساخنا في هذه الجهة من المتوسط. يبقى أن نقول إن حكاية الطائرة التركية ما هي إلا صورة كربونية عن حكاية الأسلحة النووية العراقية التي "فتح" من أجلها بوش الابن العراق، فهل سيفتح أردوغان بمعية الناتو سوريا في الأيام القادمة؟