كم بلغ عدد الفارين من الجيش الفرنسي فيما بين 1954 و1962؟ صعب أن تجيب عن هذا السؤال، ذلك أن الكثير من أولئك الذين رفضوا الخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي أيام الثورة الجزائرية هم أناس بسطاء في الغالب وأسماؤهم ليست مشهورة، الشيء الوحيد الذي كان يقودهم هو رفضهم للحرب الدائرة في الجزائر، المناضلون منهم هم الذين عبروا، في الصحافة أو ضمن المظاهرات أو داخل الجمعيات والأحزاب اليسارية، عن قناعاتهم الراسخة بأن القضية الجزائرية قضية عادلة، وبالتالي فمحاربة الجزائريين أمر غير إنساني يجب كشف الجريمة الكبرى التي ترتكبها فرنسا في حق شعب يطالب بحريته واستقلاله. يقول المؤرخ الفرنسي المعروف Tramor Quemeneur إن إحصاء عدد أولئك الذين رفضوا الحرب الاستعمارية في الجزائر حبيس وثائق السجون الفرنسية أو ثكنات الجيش الفرنسي إن لم يكن مطبوعا بالسرية كما أمرت وزارة الدفاع الفرنسية في الكثير من الحالات. بالرغم من الصعوبات التي يتلقاها الباحث في هذا الموضوع المطبوع بالخطورة من الجانب الفرنسي، فإن المؤرخ Tramor Quemeneur يعتقد، حسب بحوث، أن عدد الذين رفضوا الخدمة في الجيش الاستعماري يتجاوز بكثير رقم أحد عشر ألفا (11.000) المعلن عنه في الأرشيف الفرنسي، كان الشباب الفرنسي الذي يرفض الاستجابة لاستدعاءات القيادات العسكرية يعد بالآلاف وكانوا شبانا مجهولين، مثلهم مثل أولئك الذين غرر بهم فالتحقوا بالجيش لكنهم رفضوا المشاركة في الجرائم التي كانت القوات الفرنسية ترتكبها، الأرشيف الفرنسي يقول إن عدد هؤلاء أربعمائة وخمسين (450)، غير أن الحقيقة تتجاوز ذلك بكثير حسب Tramor Quemeneur. أما عدد الذين جندوا ثم هربوا من الجيش الفرنسي فإن الأرشيف العسكري الفرنسي لا يكشف سوى عن رقم تسعمائة (900)، هذا الرقم يبدو قليلا إذا قيس بعدد تلك الشهادات والرسائل التي جمعها الباحثون والصحافيون منذ بداية 1955. أخيرا، فإن نشر "بيان المائة والواحد والعشرين" (121) كان القطرة التي أفاضت الكأس، فقد دعا هذا البيان إلى "رفض الخدمة في الجيش الاستعماري" ووقعه جان بول سارتر ومجموعة كبيرة من الكتاب والفنانين المشهورين، فكانت الثلاث سنوات الأخيرة لحرب الجزائر هي سنوات الفارين أو الرافضين لسياسة الاستعمار الإجرامية، كانت تلك السنوات أيضا هي أكثر السنوات عددا لأولئك الذين أصبحوا مجاهدين يحاربون مع الجزائريين في الجبال والوهاد.