عندما يقرر رئيس الحكومة الليبية الجديد، علي زيدان، تخصيص أول زيارة له إلى الخارج للجزائر، فإن هذا فيه الكثير من الدلائل. أولها أن النظام الليبي الجديد الذي خلف المجلس الانتقالي الليبي، الذي كان يتزعمه عبد الجليل، غير من نظرته العدائية إلى الجزائر، واتبع طريق العقل والمنطق، لأن ليبيا لا يمكن أن تناصب العداء للجزائر إلى الأبد، ولا يمكن أن تدير ظهرها لعلاقة مستقبلية مبنية على الاحترام المتبادل بين البلدين، ومبنية خاصة على التعاون في جانبه الأمني قبل الجانب الاقتصادي. لا يمكن لليبيا ولا للجزائر أن تلغي بجرة قلم من قائمة أصدقائها الدولة الأخرى، مهما كان حجم الخلاف أثناء أحداث ليبيا التي فضلت الجزائر خلالها عدم التدخل بين الليبيين، لأن تقاليدها الديبلوماسية هكذا، وسارعت للاعتراف بمن خلف القذافي، ما دام الأمر وصل مرحلة لا يمكن العودة فيها إلى الوراء. ليبيا في حاجة إلى الجزائر أولا لمساعدتها على بناء مؤسساتها الأمنية، وفي حاجة إليها للسيطرة على المجموعات المسلحة، وعلى السلاح السائب في المنطقة والذي هربت كمية كبيرة منه ستستخدم عاجلا أم آجلا في زعزعة استقرار المنطقة، وسيستعمل خاصة في زعزعة استقرار ليبيا، حيث تنتشر الميليشيات القبلية التي لا تأتمر إلا بأوامر ”أرباب الحرب” المنتشرين عبر كل التراب الليبي، فهي في حاجة إلى الخبرة الجزائرية لبناء أجهزتها الأمنية، وفي حاجة إلى الجزائر للسيطرة على استقرار حدودها مع بلادنا، وما تشكله هشاشة هذه الحدود من تهديد للأمن الداخلي الليبي، وأيضا الجزائري، خاصة وأن المنطقة مهددة بتدخل عسكري في شمال مالي. ولن تقتصر مخاطر هذا التدخل على منطقة شمال مالي وحدها، بل حتما سيمتد الخطر إلى الترابين الليبي والجزائري في حال هربت الجماعات المسلحة من دبابات وطائرات سلاح التحالف الإفريقي الذي يعتزم التدخل في مالي، وقصدت التراب الليبي، وأقامت لها مخيمات وقواعد هناك، وجلب هذا اللجوء متابعة الجيوش المتدخلة هناك، فإنه إن حصل هذا سيلحق بالأراضي الليبية ما لحق بجبال أفغانستان من هدم وقتل وتنكيل بشعوب المنطقة لا لشيء إلا لشبهة تورط طالبان بعناصر القاعدة. انتهت إذن مرحلة التفاخر بالمساندة القطرية، وانتهت مرحلة كيل السباب والشتائم للجزائر واتهامها بمساندة الطاغية، وولى زمن التعنت الليبي وتهديد الجزائر باستهدافها بحرب حالما يتم تحرير ليبيا. انتهى كل هذا الكلام الفارغ والتفاخر بالعلاقة بقطر وبصداقة فرنسا والغرب، وصح ”الصحيح”. والصحيح أن ليبيا وما تعيشه من فوضى وهشاشة في الوضع الأمني والمؤسساتي، إضافة إلى التناحر القبلي وتهديد الوحدة الوطنية، خاصة وأن كل قبيلة بدأت تعد لاستقلال فيدرالي، وهذا لن تتغلب عليه ليبيا إلا بمساعدة جيرانها، وبمساعدة الجزائر خاصة، بحكم المسافة الكبيرة للحدود الرابطة بين البلدين، وبحكم امتلاك الجزائر للإمكانيات اللازمة للسيطرة على هذه المساحات الشاسعة وحمايتها من مهربي السلاح والمتربصين بأمن المنطقة، ناهيك عن أن الجزائر كسبت خبرة كبيرة طوال سنوات حربها ضد الإرهاب، ولا يمكن أن تستغني أي دولة من دول المنطقة عن دعم الجزائر وموقفها من الأزمة والحلول التي تطرحها!؟