من فندق السفير إلى وزارة المالية.. الأقدام السوداء عائدون أحفاد بن مهيدي، عبان وبن بوعلي، يدفعون الإيجار لأحفاد ميشلي وديزلي في الوقت الذي ترافع فيه القوى المدنية من المجتمع الجزائري من أجل دفع فرنسا إلى الاعتراف بجرائمها في الجزائر طيلة 130 سنة من الاستدمار الغاشم، وفي الوقت الذي يناضل فيه حتى الفرنسيون العقلاء من أجل دفع فرنسا إلى الاعتراف بجرائمها في الجزائر، وفي اليوم الذي يزور فيه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الجزائر.. في هذا اليوم بالذات يمهد مجلس قضاء الجزائر لعودة الأقدام السوداء والمعمرين الفرنسيين إلى الجزائر وطرد الجزائريين من مساكنهم ومحلاتهم بدعوى أنها كانت ملكا للفرنسيين، قبل الاستقلال. يستعد مجلس قضاء العاصمة يوم الخميس 20 من الشهر الجاري، للحكم في قضية من أعقد وأخطر القضايا المتعلقة بتركة الأقدام السوداء في الجزائر، ومخلفات الحقبة الاستعمارية الغاشمة في بلادنا، وقد يمنح قرار مجلس قضاء الجزائر، الصفة القانونية للشركة المدنية للعقارات والمنقولات ”ألتراك”. حيث يستعد كل من السيدين ”لطفي بن يلس” و”رياض محمد” للمثول أمام مجلس قضاء الجزائر، هذا الخميس، لسماع الحكم الذي سيصدره المجلس في قضية شركة ”ألتراك” الفرنسية التي تدعي ملكيتها لشقتي المواطنين الكائنة بعمارة رقم 14، بشارع عبان رمضان بالعاصمة، وهذا بعد عدة جولات ماراطونية أمام المحاكم؛ حيث سبق للغرفة العقارية أن أصدرت حكما بعدم قبول الدعوة لأن الشركة المذكورة ليس لها صفة قانونية ”انتفاء الصفة” وهذا طبقا لأحكام الأمر الرئاسي الذي أصدره الرئيس الراحل هواري بومدين عام 1968، والقاضي بتأميم كل ممتلكات الشركة؛ حيث تنص المادة الأولى من الأمر الرئاسي الموقع في 20 ماي 1968 على ”تأميم جميع الأموال والحصص والأسهم والحقوق والفوائد العائدة للشركة أو الشركات التابعة لها أو للمؤسسات التي تحمل العنوان التجاري أو إخوان وشركائهم ”ألتراك” الأحرف الأولى أو تسمية الشركة ألتراك”. تسعة أفراد من الأقدام السوداء يدعون ملكية 11 عمارة بالعاصمة بدأت خيوط هذه القصة، عندما أقدم مواطنون على رفع دعوى قضائية ضد رعيتين فرنسيتين قاما باقتحام المحل وتكسير بابه بدعوى أنه ملك لهما منذ أيام الثورة ويتعلق الأمر ب”جيل ألتراك مارسيل” من مواليد الجزائر العاصمة أكتوبر 1949 و”كارولين جونسون” من مواليد فرنسا عام 1958. وقد صدر حكم بإدانة الفرنسيين بعامين حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها خمسة آلاف دينار، وهذا لارتكابهما جنحة التعدي على الملكية العقارية، طبقا لأحكام المادة 386 من قانون العقوبات، وهذا على إثر الدعوى القضائية التي رفعها ورثة السيدة ”بلمشيري فاطمة” والذين تعود إليهم ملكية المحل الكائن بالطابق الأرضي للعمارة الموجودة في 19 شارع الحرية بمحاذاة مبنى مجلس الأمة. وكان الفرنسيان قد قالا أمام العدالة إنهما لم يقتحما ملكية عقارية لكنهما يرافعان من أجل استرجاع ملكية عائلية لشركة كانت قد تأسست في الجزائر إبان الاحتلال بموجب عقد محرر بتاريخ 7 أكتوبر 1918، لكن دون تقديم ما يثبت هذا الحق المزعوم. تصرف الرعيتين الفرنسيتين ليس تصرفا معزولا، لكنه تصرف ينم عن نية مبيتة لشبكة من الأقدام السوداء تتكون من 9 أفراد يدعون أنهم يملكون 11 عمارة في العاصمة ومن حقهم إجبار الجزائريين القاطنين أو الذين يشغلون هذه العقارات دفع مخلفات الإيجار لعدة سنوات خلت أو إجبارهم على إخلائها، غير أن الوثائق القانونية تؤكد أن ”الشركة المدنية للعقارات والمنقولات ألتراك” هي شركة وهمية، لأنه لم يعد لها وجود قانوني منذ تاريخ 1 أكتوبر 1988 وفقا للعقد التوثيقي المحرر بتاريخ 2 أوت 1989 من قبل مكتب التوثيق الأستاذ بوعمرة بالقليعة. وبهذا تكون الشركة قد حلت تلقائيا وهذا بعد تمديد مدتها إلى 50 سنة في سبتمبر 1938 بعدما كانت عشرين عاما فقط عند التأسيس. شركة فرنسية وهمية تتحايل على العدالة وتبتز الجزائريين عندما أيقنت الشركة الفرنسية أنها ستخسر لا محالة كل قضاياها أمام المحاكم بموجب القانون، لجأت إلى حيلة هيأت لها استصدار حكم من قبل الغرفة المدنية لمجلس قضاء الجزائر يقضي بتعيين خبير، وهذا تمهيدا للاعتراف بالصفة القانونية لها، مع العلم أن الغرفة العقارية لمجلس قضاء الجزائر كانت قد رفضت الاعتراف بأي صفة قانونية للشركة المزعومة. وكانت عدة قرارات قد صدرت من المجلس والمحكمة العليا تضمنت عدم إثبات وجود الصفة للشركة بموجب قانون التأميم وكذا حلها تلقائيا عام 1989. الشركة الوهمية المذكورة لجأت إلى التحايل لإصدار عقد جديد بواسطة الموثق الأستاذ عتبي محمد موثق بالحراش، وهذا بناء على مجموعة من التصريحات التي أدلى بها كل من ”جيل ألتراك” والسيدة ”كارولين جونسون”، مع أنهما يعلمان انتهاء الشركة من الوجود القانوني مباشرة بعد تأميم كل ممتلكاتها من جهة، وكذا من الوجود الفعلي منذ سنة 1988 بناء على العقد التوثيقي الذي قام بتحريره الموثق بوعمرة بالقليعة بتاريخ 2/8/1989. لكنهما وبصفة احتيالية حاولا نقل أملاكها من الشخص المعنوي الذي تم تأميم كل ممتلكاته إلى الأشخاص الطبيعيين. العقد الذي شارك فيه كل من المدعو جيل ألتراك، والمدعوة كارولين جونسون والصادر في 2008، تحت رقم الفهرس 495/2008 تضمن تناقضا في شكله ومحتواه؛ حيث تضمن تصريحات الرعيتين الفرنسيتين بممتلكات الشركة المذكورة دون تقديم أي وثيقة أو دليل قانوني يثبت هذه الملكية، ومن جهة أخرى تشير الصفحة رقم 8 من العقد إلى أن الشخصين قد قاما بإيداع أصل مكتبه للمحضر القضائي المؤرخ بتاريخ 24/05/2008 بغية إضفاء عليه الصبغة القانونية وإمكانية استخراج نسخ منه وهذا تحت بند تعديل القانون الأساسي. مع العلم أن المحضر المودع لدى الموثق والذي على أساسه تم تحرير العقد الجديد موقع من قبل الفرنسيين جيل مارسيل ألتراك وكارولين ماري مادلان جونسون بناء على جمعية عامة منعقدة في باريس، يعني خارج حدود الوطن، والمحضر غير مصادق عليه، الأمر الذي ينفي عنه أي صفة قانونية. ورغم ذلك فإن العقد الموقع لدى الموثق يقضي بتجديد وتمديد عقد الشركة سنة بسنة وبأثر رجعي منذ تاريخها وانتهائها وهذا لمدة 99 سنة جديدة، أي العقد ينتهي عام 2087 وهذا طبقا لأحكام نص المادة 437 من القانون المدني. غير أن المحكمة العليا وبموجب القرار الصادر بتاريخ 9/5/2001 تحت رقم 1961/241 قد استبعدت تطبيق أحكام المادة على هذه الشركة التي سبق أن تم تأميمها وحلها تلقائيا أيضا، وبالتالي لم تعد لها أي صفة قانونية. الغريب في العقد الذي حرره موثق جزائري على أرض جزائرية لصالح المستعمرين القدماء، لا يستند إلى أي حجة قانونية يمكن أن يختفي وراءها، لأن تحرير أي عقد توثيقي يقتضي أن يتأكد الموثق من قانونية كل الوثائق التي تقدم أمامه والتأكد لدى المصالح الخاصة وكذا طلب الوثائق الثبوتية عن ملكية هذه الشركة للعقارات المذكورة، ضمن العقد الذي قام بتحريره وهذا لدى مصالح المحافظة العقارية وكذا لدى مديرية أملاك الدولة. وبرغم كون الموثق المعني، كما كل الموثقين، على علم بالمشاكل الخاصة بالعقارات التي كانت تابعة للمعمرين، إلا أن الموثق المذكور أقدم على تحرير العقد التوثيقي للشركة الوهمية والتي صارت تستعمله لدى معظم الإدارات وأمام القضاء”، رغم أن المحاكم لم تمنح لها أي صفة قانونية. وقد سبق لنفس الشركة أن حاولت تغليط موثق آخر ”محمد الطاهر بن عبيد”، إلا أنه قام فقط بتحرير عقد إيداع دون أن يقوم بتحرير أي تعديل على أصل الشركة. ومع هذا فإن الغرفة المدنية لمجلس قضاء الجزائر، أمرت بتعيين خبير تمهيدا، ربما، للاعتراف بالصفة القانونية للشركة التي أممت ممتلكاتها منذ 1968، وقد صدر بموجب ذلك المرسوم الرئاسي رقم 168/68 الذي تم بموجبه تحويل أموال الشركة التجارية والصناعية ”ألتراك” إلى الذمة المالية للشركة الوطنية لمواد البناء باعتبارها شركة عمومية وضع تحت تصرفها ملك من أملاك الدولة من أجل ممارسة نشاطها. من فندق السفير إلى وزارة المالية مؤسسات الدولة رهينة لدى الأقدام السوداء حالة النزاع القائمة حول العمارة رقم 14 الكائنة بشارع عبان رمضان بالعاصمة لا تعد الحالة الوحيدة لكنها مجرد رقم بسيط في سلسلة النزاعات التي يخوضها المعمرون من أجل الاستيلاء على ما يعتبرونه ”حقا من حقوقهم”؛ حيث توجد ما لا يقل عن 5 قضايا بمجلس قضاء الجزائر ”الغرفة المدنية” تدور كلها حول مشاكل العقار بين المعمرين مواطنين جزائريين وحتى مؤسسات الدولة مثل وزارة المالية، زيادة على قضايا ما زال يلفها الغموض مثل قضية فندق السفير ومقر الخطوط الجوية الجزائرية ومقر الديوان الوطني للثقافة والإعلام بساحة ”موريس أودان”؛ حيث حسمت القضية لصالح الأقدام السوداء وينتظر أن تطرد الشركتان من المقر. كما سبق لشركة ”ألتراك” أن خاضت معارك قضائية ضد الديوان الوطني للترقية والتسيير العقاري، وهي القضية التي حدثت في عهد الوزير شريف رحماني؛ حيث تمكن الديوان من الحصول على حكم قضائي من محكمة سيدي أمحمد يؤيد رفض الديوان منح بطاقة التعريف العقارية التي طالبت بها شركة ”ألتراك” والتي قالت أنها تملك بموجبها 7 عمارات بالعاصمة موجودة في 108 و112 ديدوش مراد و4 و6 شارع سيدي علي بوزيري، وقد خسر الديوان القضية حول العمارات السبع بالعصمة وقدم طعنا في القضية التي تمت إعادتها إلى مجلس قضاء العاصمة للبت فيها. والجدير بالذكر، أن الكثير من البنايات التي تحمل اليوم أسماء قادة وثوار كبار ”العربي بن مهيدي، عبان رمضان، حسيبة بن بوعلي” مقيدة بأسماء معمرين قدماء مازال الجزائريون يدفعون إيجارها للمعمرين من وراء البحر. معمرون يستغلون اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي للعودة إلى الجنة المفقودة كان اتفاق الشراكة الذي وقعته الجزائر مع الاتحاد الأوروبي عام 2005 والذي توج بترسانة من القوانين التي صادق عليها البرلمان الجزائري، ومن بين بنود هذا الاتفاق أن الاتحاد الأوروبي له الحق في مقاضاة الجزائريين. ورغم أن الاتفاق الذي يشجع حرية تنقل الأشخاص يصلح للتطبيق على القضايا التي تأتي بعد المصادقة على القانون، لكن الأقدام السوداء يردون تكريس واقع صار جزءا من الماضي. وقد سبق أن عالجته اتفاقية ”إفيان”؛ حيث تم إنشاء ”الوكالة الوطنية لتعويض فرنسيي ما وراء البحر”. وقد قامت هذه الوكالة بتقديم أموال لكل الفرنسيين الذين كانت لهم أملاك في الجزائر، وتم تعويضهم، لكنهم اليوم عادوا من وراء البحر لابتزاز الجزائريين ومحاولة طردهم من أملاكهم. والغريب حقا أن يحدث هذا بعد نصف قرن من الاستقلال وبمباركة أجهزة العدالة الجزائرية والسلطات عندنا لا تحرك ساكنا، خاصة وأن الحق التاريخي الذي يستند إليه الأقدام السوداء يخول للجزائريين أن يرفعوا دعوى قضائية ضد الدولة الفرنسية لمطالبتها بتعويض النهب واستغلال خيرات الجزائر التي شيدت بها فرنسا منذ 1830. فيكفي أن نعرف مثلا أن الحديد الذي شيدت به العديد من روائع باريس مثل برج إيفل، تم نهبه من مناجم الونزة.