خطاب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي ألقاه أول أمس أمام النواب ومعهم أعضاء الحكومة بغرفتي البرلمان، بلهجته الصريحة وغير المسبوقة في خطابات رؤساء فرنسا، أعطى هذه الزيارة بعداً تاريخياً، وأضفى عليها شيئا من صدق النوايا، ننتظر أن تجسد لاحقا على أرض الواقع بين الشعبين. صحيح أن هولاند لم يعتذر، إذ ليست هناك جهة رسمية طالبته بالاعتذار، الذي كان مطلباً شعبياً لم يعبر عنه رسميا ولم تتبنه جهة ما، بعدما فشل البرلمان الجزائري السابق في استصدار قانون يجرّم الاستعمار ردّاً على القانون الفرنسي الصادر في فيفري 2005 الممجد للدور ”الإيجابي والحضاري للاستعمار”. لكن، هب أن هولاند اعتذر، فهل كنا سنقبل اعتذاره؟ ومن هي الجهة أو الشخص الذي سيتكلم باسم معاناة الشعب الجزائري طوال 132 سنة التي قضاها الاستعمار في بلادنا؟ من منا يحق له القول لفرنسا ”نعم لقد سامحتك على جرائمك”؟! خطاب هولاند موزون الكلمات والنوايا والذي سمى الأشياء بأسمائها حمل شيئاً من التفاؤل على مستقبل العلاقة بين شعبينا، فقد كان شجاعا وكلامه إيجابيا، تخطى كل العقبات التي واجهها سابقوه في التعبير عن العلاقة التي تربط بلدينا. خطاب هولاند الذي أحدث القطيعة مع مواقف سلفه ساركوزي - الذي كان يرد بعنجهية عن مطلب الاعتذار وعبر كذا مرة عن الدور الإيجابي للاستعمار - جاء وفيا للمبادئ التي آمن بها ضيف الجزائر طوال مشواره السياسي والتي عبّر عنها في عدة مناسبات. وفي كتابة الحوار الذي حمل عنوان ”واجب الحقيقة” فلأول مرة يدين رئيس فرنسي الفعل الاستعماري بكلمات قوية، حيث قال إن الشعب الجزائري عانى من استعمار ظالم ووحشي وكان مدمراً، كلمات أفرغت قانون 23 فيفري من محتواه. وإن كان هولاند في الحقيقة لم يأت بجديد في هذا الأمر، لأن الفعل الاستعماري ظالم ووحشي على كل الإنسانية، ومدان أيضا من قبل الإنسانية جمعاء، لكن أن يقولها رئيس فرنسي تعبيرا عما عاناه الجزائريين طوال الفترة الاستعمارية، فالأمر مهم على أكثر من صعيد، فهو نصف اعتراف. لكنه اعتراف يطمئن النفوس، ويفتح طريقا جديدا أمام الأمل، شرط أن يكون القول متبوعاً بأفعال، وأن ترقى العلاقة بين البلدين إلى شراكة حقيقية، وأن تعاملنا فرنسا الرسمية معاملة الند للند، علاقة دولتين كل منهما كبيرة بتاريخها وكبيرة بمحيطها وطموحاتها، لأن معاملة فرنسا لنا حتى الآن مازالت لم ترق إلى معاملتها للجارة المغرب التي تتمتع بمعاملة تفضيلية وباحترام فرنسي لم تحظ به الجزائر. صحيح أن نتائج هذه الزيارة على الاقتصاد الفرنسي ستكون في مستوى الشجاعة والرهان الذي لعبه هولاند، لكنها من جهتنا فتحت صفحة جديدة، شرط أن يعرف مسؤولونا كيف يستغلونها ويسهرون على تجسيد نتائجها في الواقع، وأن يفرضوا على الطرف الفرنسي التقيد في علاقته مع الجزائر بقبول الاحترام، لا أن يجدوها فرصة للارتماء في حضن فرنسا، ويرهنوا البلاد بين يديها باسم هذا الاعتراف المنقوص. نسيت أن أقول لهولاند إن ”موريس أودان ليس شيوعياً فرنسياً قتله الجيش الفرنسي، بل هو شيوعي جزائري سقط شهيداً من أجل قضية وطنه واستقلاله، على يد الاستعمار الفرنسي. لأن أودان اختار الجزائر واختار الدفاع عن استقلالها وكرامتها كجزائري وليس العكس”!؟