طفت إلى السطح مجددا قضية الأكراد التي تعود إلى أزيد من ثلاث عقود خلت، على إثر حادث اغتيال ثلاث ناشطات كرديات في فرنسا، إحداهما تنتمي إلى حزب العمال الكردستاني، الأمر الذي أجج الأوضاع مجددا داخل تركيا، التي لاتزال حكومتها تصر على أن الأمر لا يتعدى كونه تصفية حسابات بين الأكراد. الحادث الذي راحت ضحيته الناشطات الكرديات الثلاث في العاصمة الفرنسية باريس، ولاتزال حيثياته غامضة تزامنا مع المفاوضات التي أعلنت عنها الحكومة التركية مع زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله اوجلان والتى أسفرت عن تعليق هجمات حزب العمال الكردستاني المحظور اعتبارا من مارس المقبل، نظير حصول الأقلية الكردية على هامش حرية أوسع. الكيان الكردي الذي ظل يكتنفه الغموض، ولم تحظ فيه كردستان ولو بحدود سياسية على الرغم من أنها تتوزع بصورة رئيسية في ثلاث دول هي العراق، إيران وتركيا مع قسم صغير يقع في سوريا، فيما يوجد عدد من الكرد في دول أخرى أهمها أرمينيا وكذلك في أذربيجان وباكستان وبلوشستان وأفغانستان، حيث تشكل كردستان في مجموعها ما يقارب مساحة العراق الحديث. ويتراوح عدد الأكراد ما بين 25 إلى 40 مليون نسمة، موزعين بنسبة 46% في تركيا،31% في إيران،18% في العراق، و5% في أرمينيا وسوريا. والإسلام هو دين الأغلبية الساحقة منهم، وهم في غالبيتهم العظمى سنيون شوافع، ماعدا القليل من الشيعة يرتكزون في جنوب كردستان. ويعد صلاح الدين الأيوبي -محرر القدس أحد أهم الشخصيات في التاريخ الكردي، الذي تعود جذوره إلى منطقة حرير شمال غرب أربيل، كما أن شيخ الإسلام ابن تيمية كردي الأصل، وكذلك ابن الأثير، وابن النديم وغيرهم من العلماء والقادة. وعقدة القضية الكردية اليوم تتمثل في سعي أحزاب سياسية للحكم وحركات وتشكيلات عسكرية أخرى تطالب بالاستقلال، فالجيش التركي يلاحق حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، وإقليم كردستان العراق يسعى للانفصال التام عن العراق، وفي المنتصف يقف أكراد سوريا وإيران مطالبين بحقوقهم المدنية الطبيعية.وسجل الأكراد حضورهم في المسار التاريخي للدولة العثمانية بمشاركتهم تحت لواء هذه الأخيرة في صراعها ضد الصفويين الشيعة، ولكن النتيجة كانت تقسيم كردستان، كما انضم الأكراد لتركيا في الحرب العالمية الأولى، ومن ثم بدأت مطالبهم الانفصالية من خلال المؤتمرات الدولية. وكان لاستغلال الأكراد من طرف العديد من الدول في عديد المناسبات خاصة منها الحروب والنزاعات دون الاعتراف بدورهم أو منحهم أدنى الحقوق الإنسانية، من أهم الأسباب التي أدت إلى تفاقم الأوضاع و دفعت بهذه الأقلية إلى المطالبة بالاستقلال، حيث استخدمت القوَى الخارجية المتمردين الأكراد في محاربة الأنظمة المحلية، فقد ساعدت بريطانيا أكراد تركيا ضد حكومة تركيا في العشرينيات، وقدمتْ أمريكا وإسرائيل الدعم للأكراد ضد نِظام البعث العراقي في السبعينيات، كما ساعَد السوريون الأكراد ضد تركيا. وأيدتهم أمريكا ضد إيران، وعلى النقِيض من ذلك استخدم العراق الأكراد الإيرانيين ضد دولتهم، وفي المقابل دعمت إيران أكرادَ العراق ضد صدام حسين، وفي الحرب الأنجلو أمريكية على العراق استخدمت الولاياتالمتحدة الفصائل الكردية للسيطرة على شمال العراق، ودخلتْ قوات البشمرجة الكردية إلى الموصل وكركوك، إلى أنْ أمرَتْها القوات الأمريكية بالرحيل شمالاً مرَّة أخرى بعد تذمُّر تركيا من هذا التصرُّف، وقد ظلَّت مشكلة الأكراد مستعصيةً الحل؛ و لم تنجح أيٌّ من الدول التي تنتَشِر فيها القبائل الكردية على حُدودِها إلى غاية اليوم في عِلاجها والاستجابة لأماني الشعب الكردي، واستمر استغلال قضية الأكراد لإثارة الفتن بين الدوَل أو بين الفصائل الكردية ذاتها، وعقد الأمر تغير الولاء لزعَماء العشائر والقبائل الكردية.