يصادف إنشاء الاتحاد العام للعمال الجزائريين مرحلة حساسة من تاريخ الجزائر المعاصرة، فالأشخاص المعنيون اختاروا لحظة مفصلية لصناعة الفارق، ودعم معركة التحرير الوطني من ربقة الاستعمار الفرنسي، تحت يافطة العمل النقابي لصالح العمال الجزائريين، وبهدف إدماج هذه الشريحة الهامة في مخطط إنجاح الثورة التحريرية. ولعل سياقات النشأة يجعل من الاتحاد العام للعمال الجزائريين لا يعنى بالشأن المادي والاجتماعي للطبقة الشغيلة فقط، بل يتعداه إلى المساهمة في العمل السياسي البحت، واقتحام مجال السياسات الاقتصادية، فالمركزية النقابية لم تحمل في يوم من أيامها العمل النقابي لتحسين الوضعين الاجتماعي والمادي للعمال بعيدا عن العمل السياسي شأنه شأن الفرق الرياضية وليدة الفترة الاستعمارية التي كانت تطبق شعار ”كرة القدم رياضة ونضال سياسي”، فكان الاتحاد جناحا قويا لجبهة التحرير الوطني ورافدا ماديا لها داخل وخارج الوطن إبان تلك الفترة، وهو ما يشرح إقحام هذا الجهاز النقابي في كل الشؤون السياسية أو اقتحامه لها، من معركة التحرير إلى معركة البناء والتشييد مباشرة بعد الاستقلال، إلى لحظات مفصلية أخرى عرفتها البلاد. وقد مر على رئاسة المركزية النقابية عدة شخصيات كان لها نفوذها وكاريزماتها، حتى انتهى كرسي رئاستها إلى عبد المجيد سيدي سعيد منذ سنة 1997 إلى يومنا هذا، بعد اغتيال عبد الحق بن حمودة، حيث إنه بعد اعتماد دستور سنة 1989 فتحت الجزائر أبوابها للتعددية السياسية وحرية التعبير، فحدث الانفجار الذي أدى إلى ظهور تنظيمات كالفطر، إلا أن الاتحاد بقي يحافظ على احتكاره للعمل و النضال النقابي، رغم بروز تم بروز نقابات في ميادين أخرى تتعلق بالوظيف العمومي وهو الحقل الذي لم يستطع الاتحاد احتكاره رغم أنه لا يزال يؤثر باعتبار الشريك الاجتماعي الوحيد المقابل للدولة ولأرباب العمل، ولعل أبرز النقابات بعده هي نقابات التربية والتعليم العالي، تليها النقابة المستقلة للوظيف العمومي، ولعل ما يميز هذه النقابات التي تنعت بالمستقلة هو ابتعادها عن النشاط السياسي وتركيزها على النواحي المطلبية كما أنها في السنوات الأخيرة نحت نحو المطالب النوعية كالحرية النقابية والتمثيل النقابي إضافة إلى المطالب الاقتصادية، متهمين المركزية النقابية بالانحراف عن نهجها الأول وتفريطها في المطالب العمالية لصالح الساسة. وقد انخرطت المركزية النقابية مع مجيء الرئيس ”عبد العزيز بوتفليقة” إلى سدة الحكم في خماسية ”التهدئة الاجتماعية”، والتي مددتها نهاية سنة 2009 إلى خمس سنوات أخرى، تحت مبرر إنجاح البرامج التنموية التي عرفتها البلاد خلال هذه الفترة، وهو ما حدا بالنقابات المستقلة إلى انتقاد الخطوة وعدم احترام التعهد، ومباشرة احتجاجات مطلبية كان مصير الكثير منها النجاح في تجسيد المطالب العمالية لاسيما في جوانب القوانين الأساسية ومراجعة الأجور، مما رسخ فكرة مركزية نقابية تدافع على السلطة أكثر مما تنافح على مصالح العمال.