تنتشر فرق “الرحابة” كثيرا بجنوب ولاية ميلة، لارتباطها مع مناطق الشاوية التي تعد موطن هذا النوع الغنائي الفلكلوري العريق. وفي الغالب تتكون المجموعة الفلكلورية من ثمانية أشخاص، أربعة مقابل أربعة وحتى اثنين مقابل اثنين، يغنون بصوت واحد نفس الكلمات وتلتقي أصواتهم على إيقاع واحد مشكلة نغمة موحدة تطرب الآذان. عمي السعيد، أحد أعضاء فرقة الرحابة، أينما مر بروحه المرحة ووجهه البشوش يزرع الفرحة والابتهاج من خلال حركته ورقصه المتواصل رغم تقدمه في السن. ولا يتردد عمي السعيد في السفر إلى أي منطقة في إطار الأسابيع الثقافية أو حفلات الأعراس التي تنشطها فرقة “النور” للرحابة والفن الشعبي ببلدية التلاغمة، جنوب ولاية ميلة. وفي هذا الإطار، يقول عمي السعيد “إن الرحابة من تقاليدنا وفننا ويجب الحفاظ عليها وتقديمها للأجيال اللاحقة”. ويواصل هذا “الشاب” الذي تجاوز عقده الثامن بلباسه التقليدي المتكون من ڤندورة ورزة ملفوفة على الرأس، كلامه وهو يدندن كلمات إحدى الأغاني التي تمجد روح ثورة التحرير وشجاعة المجاهدين توارثتها أهازيج التراث المحلي بمنطقة الشاوية والأوراس. وتعني كلمة “رحبة” المكان الذي يتوسط الحي أو القرية، ويكون واسعا وفي الغالب دائريا يجتمع فيها الكثير من الناس بمناسبة عرس أو فرح من الأفراح أو حتى للاستماع للمداح. الرحابة تنشر المتعة أينما حلت تتكون المجموعة الفلكلورية في الغالب من ثمانية أشخاص، أربعة مقابل أربعة وحتى اثنين مقابل اثنين، يغنون بصوت واحد نفس الكلمات وتلتقي أصواتهم على إيقاع واحد مشكلة نغمة موحدة. وفي بعض الحالات تكون مجموعة متكونة من ثمانية رجال أو مختلطة بين الرجال والنساء، ويسمى ذلك “إرحابن” بالشاوية، من خلال الغناء والرقص كتفا لكتف عن طريق صفين متقابلين في حركة ذهاب وإياب على إيقاع “البندير” وفي بعض الأحيان على أنغام “الڤصبة”. وغالبا ما تؤدي أغاني وأهازيج الرحابة بدون مرافقة أي آلة إيقاعية موسيقية، إلا أن بعض الفرق تفضل أن تدعم أداءها ب”البندير”، ما يضفي على الأغنية نوعا من الإيقاع والخفة. والرحابة سمفونية جميلة تجمع بين الغناء وحركات الأرجل في انسجام وتناغم رائعين، حسب الأستاذ محمد الصالح ونيسي في كتابه “جذور الموسيقى الأوراسية” منها “آسروجي”، “أصحراوي”، “أردس”، “ألموشي”، “أجلس”، وهو نوع من الرحابة النسوية كما يقول ونيسي، معتبرا أن الغناء بالنسبة للإنسان الشاوي كان دائما وسيلة تعبير عن الذات والتمسك بالأمل للتغلب على الألم الذي كان يعيشه جراء صعوبة تضاريس الأوراس ومواجهته الدائمة لأنواع الغزو. ومع ذلك فإن أهازيج الرحابة ارتبطت خاصة بمناسبات للفرح وتخليد عدة مواعيد، منها الحرث والحصاد ويناير ودخول الربيع وازدياد المولود والزواج. وتتحول تبعا لذلك هذه المناسبات إلى لقاءات جميلة بين أفراد القرية والقبيلة في مظاهر فرحة عامة، يصول فيها الرحابة ويجولون وينتشر فيها غبار التراب جراء ضربات الأرجل الإيقاعية. ويقول العيد، مسؤول فرقة جمعية “أولاد عبد النور” بتاجنانت، أن الرحابة تراث عريق هو اليوم ملح الأعراس ومطلوب بكثرة في الأفراح والمناسبات، وذلك بعدما مرت عليه فترات ركود كاد ينقرض فيها”، وأن موسم الرحابة أصبح يمتد مع الأعراس طيلة 9 أشهر من السنة تلازما مع مواسم الأعراس “بعدما ملّ الناس من “الديسك جوكي” على حد قوله. أهازيج الفرح البارود والفانتازيا تتميز أهازيج الرحابة ب”نظافة” الكلمات التي يمكن الاستماع لها وسط العائلات - كما يضيف نفس المتحدث - مشيرا أن أول أهازيج الرحابة في كل مرة هو الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتتطرق إلى مواضيع أخرى منها الغزل. ويشاطر السيد محمد - متتبع لظاهرة الرحابة والأغنية الشاوية من خنشلة - هذا الرأي، مضيفا أن ذلك يتبع عادة بأغان دينية، وبعدها تفتح الشهية للأغاني الغزلية، وغالبا ما تؤدي هذه الأهازيج باللغة العربية مع استعمال الشاوية في مناطق معينة من الأوراس . ويقول أعضاء من فرقة بلدية المشيرة “الأصالة” للرحابة والفنتازيا، أن ميزة الرحابة أيضا تكمن في نوعية خاصة من اللباس التقليدي الذي تعرف به وهو يتكون عادة من السروال العربي والسترة المعروفة ب”الجليكة” وكذا الڤندورة أو البرنوس إلى جانب الرزة، وهي تصنع خصيصا لتوضع فوق الرأس قبيل بدء العرض، وتضفي هذه الألبسة مسحة جمالية على طابع الرحابة بما يجمع بين عناصر تقليدية منسجمة بين اللباس والغناء القديم. ويذكر أصغر عضو في الفرقة، بعزيز حسان، أنه تعلم فن الرحابة من أبيه الذي كان رحابا، حيث تعلم منه الحرفة إلى جانب عزف “الزرنة”، وهو الآن يجيد إطلاق البارود أيضا. وكان نشاط مثل هذه الفرق التقليدية دائما مرتبطا بإطلاق البارود وكذا الفنتازيا والخيالة، بوصفها طقوسا مطلوبة قديما واليوم أيضا في الأعراس والمناسبات السعيدة. ويجتمع ذلك عادة في مشهد واحد أنيق في محافل الزواج القديم، مثلما تقول الأغنية التقليدية القديمة “راهم دارو لعراس والمحفل جبا” (جبا يعني وصل من بعيد). وفي التلاغمة أبدعت فرقة النور للرحابة بإشراك “كاليش” يجره حصان يستعمل في “جولة” محفل العرسان المقبلين على حياة جديدة، على أهازيج فرقة عمي السعيد المبدعة ورقصاته البهية.