ماذا أصاب لويزة حنون لتنزل إلى الدرك الأسفل من الممارسة السياسية؟ شكلت هذه المناضلة، طوال مرحلة التسعينيات، رمزا كبيرا لمئات الآلاف من الجزائريين والجزائريات الذين رأى فيها بعضهم صورة أخرى لفاطمة نسومر وجميلة بوحيرد في حين حلم الكثير بأن تتولى هذه المرأة الحديدية شؤون البلد لترفع الغبن عن الفقراء والكادحين. عرفت هذه المرأة السجون الجزائرية وتعرضت للتعذيب من أجل مواقفها السياسية، ودخلت، مع بداية التعددية السياسية، كل البيوت الجزائرية حيث فرضت نفسها على ساحة سياسية رجولية وتمكنت، بكلماتها البسيطة، من الترويج لخطاب سياسي معبر عن انشغالات وتطلعات الجزائريين الذين أصبحوا يرددون بأن السيدة لويزة حنون هي ”الرجل” الوحيد في المعارضة. كذلك كانت لويزة حنون وهي في مقتبل العمر، لكن يبدو أن مرحلة سن اليأس، التي دخلتها منذ بداية القرن الحالي، أثرت عليها إلى حد لم تعد تفرق فيه بين أحاسيسها الشخصية وحقها في أن تحب أو تكره هذا الشخص أو ذاك وبين مواقفها كرئيسة لحزب سياسي له خطه واستراتيجيته، فأسقطت بتصريحاتها ومواقفها الأخيرة آخر ورقة توت كانت تستر عورتها. كثرت أخطاء رئيسة حزب العمال، خلال السنوات الأخيرة، إلى درجة أنها لم تعد تفرق حتى بين من يسعى لخدمة الجزائر ومن يعمل على نهبها وتخريبها وتعطيل مؤسساتها. ثلاثة مواقف صدرت عمن كانت تسمى بروزا ليكسمبورغ الجزائر تبين كيف أنها فقدت القدرة على التمييز بين المواقف السياسية التي تخدم الأمة وتلك التي تحلب في إناء السلطة لتدوم ويدوم معها الجمود الذي أصاب كل مؤسسات الدولة. آخر هذه المواقف هو تصريحها المتعلق بالتهم التي وجهتها للدكتور أحمد بن بيتور. ماذا أصاب رئيسة حزب يقول إنه في المعارضة لتهاجم إطارا جزائريا كريما مثقفا ونظيفا ولم يعرف عنه أبدا أنه مد يده إلى المال العام أو تمسك بمنصب أو سعى لغير صالح الجزائر؟ هل مجرد إعلان رئيس الحكومة السابق عن نيته في الترشح لرئاسيات 2014 يجعل منه عدوا وجبت مواجهته ؟ إن كان هذا هو السبب فالتفسير الوحيد الذي يقدم لموقف السيدة لويزة هو أنها تحولت فعلا إلى معرقلة للتغيير الذي ينتظره الشعب الجزائري، وأنها أصبحت المعبرة عن موقف السلطة السياسية التي لا تريد أن يترشح، في الانتخابات المقبلة، سوى الأرانب من نمط رئيسة حزب العمال التي تعودت على القيام بذلك. الموقف الثاني الذي اتخذته نفس المرأة يتعلق بتصريحها الذي أعلنت فيه بأن شباب الجنوب تحركهم أياد أجنبية. عار على أي سياسي أن يقول مثل هذا الكلام في حق شباب هضمت حقوقهم وهمشوا في بلدهم. ألا تعرف السيدة لويزة بأن اليد الأجنبية لا تنشط سوى في البلدان ذات الأنظمة الفاسدة والضعيفة والفالسة وحيث لا وجود لمعارضة سياسية قوية ووطنية. فهل أصبحت الجزائر كذلك؟ إن كانت الجزائر ضعيفة وهزيلة إلى درجة أن مجرد شيخ هرم يتكلم في قناة تلفزيونية أجنبية وحاكم دولة هي مجرد نقطة على خارطة العالم يمكنهما تحريك الآلاف من أبنائها وهي أكبر بلد عربي وإفريقي جغرافية وتاريخا، كما أنها البلد الذي كان إلى عهد قريب يؤثر في كتلة عدم الانحياز ويعرقل مخططات أكبر القوى في العالم، إن كانت الجزائر قد بلغت هذا المستوى من الضعف فلماذا تطالب لويزة بعهدة رابعة لبوتفليقة الذي هو على رأس هذا البلد منذ 14 سنة؟ اليد الأجنبية وجدت عبر التاريخ، وهي لا تنشط إلا في الدول التي يتهلهل فيها النظام السياسي وينخر الفساد مصالح أمنها وتصبح تؤتى من كل جانب فيطمع فيها كل منحط، لذلك فالقول بوجود يد أجنبية تحرك شباب الجنوب فيه إهانة لهؤلاء الشباب ومساس بقيمة وكفاءة المصالح الأمنية وضرب لمصداقية الرئيس بوتفليقة الذي لم يعرف، حسب منطق لويزة، كيف يصون البلد وأمنه واستقراره. الموقف الثالث لنفس السيدة يتعلق بعلاقتها برئاسة الاتحاد العام للعمال الجزائريين، فأمين عام هذا الهيكل أعلن، في محكمة البليدة أثناء قضية الخليفة، بأنه من أعطى الأمر بوضع أموال صندوقي التقاعد والضمان الاجتماعي في بنك الخليفة وأنه يتحمل مسؤولية ذلك، ومع ذلك فإن رئيسة حزب العمال تنظم الكثير من النشاطات التي تترأسها مناصفة مع نفس الشخص الذي تسهر باستمرار على شكره أمام الحضور لدوره في حماية حقوق العمال. ما يؤلم في حالة السيدة لويزة حنون هو أنها تؤكد بمواقفها هذه مقولة أن كل الأحزاب السياسية هي مجرد شركات بزنسة وأنه لا وجود في الجزائر لرجال معارضين حقا من أجل الصالح العام وليست لهم أطماع شخصية ولا يرضخون لإغراءات السلطة ولا لتهديداتها. لعل الأمل في الشباب الذي تتهمه لويزة بالعمالة للخارج.