ج - الحريات العامة: يكفل الإسلام لغير المسلمين داخل المجتمع المسلم مجموعة من الحريات نلخصها في يلي: 1) - حرية المعتقد، وممارسة الشعائر، وصون أماكن العبادة أقر الإسلام بوضوح تام حرية الاعتقاد لكل الناس، فلا إكراه لأحد على دخول الإسلام، وإن كان يدعوهم إليه. والدعوة إلى دخول الإسلام، والإجبار عليه أمران متضادان: الأول جائز مشروع، والثاني حرام ممنوع بقوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة، والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن}(سورة النحل: [الآية 125) وقوله: {لا إكراه في الدين}( سورة البقرة الآية 256). والحق الذي يجب الصدع به أن أعظم الشواهد الواقعية على حرية المعتقد في الإسلام هو ما يرى الآن وبعد فترة حكم دامت أربعة عشر قرناً ما يرى الآن من أماكن العبادة: الكنائس والمعابد والأديرة، منتشرة في كل مكان من بقاع العالم الإسلامي شرقاً وغرباً، وهي شواهد عيان تنطق بحرية المعتقد التي جاء بها 2) - حرية الفكر والتعلم: عندما أرسى الإسلام قواعد المجتمع الإسلامي كان من بين أسسه نشر العلم بين كل فئات ذلك المجتمع، وأبلغ دليل على ذلك هو كثرة الإنتاج العلمي الذي ظهر على أيدي غير المسلمين في شتى المجالات العلمية واشتهرت أسماء علماء كثر من اليهود والنصارى، وغيرهم. فليس في أحكام الإسلام ما يمنع غير المسلمين من حرية الفكر والتعلم، ولهم تعليم أبنائهم وتنشئتهم وفق مبادئ دينهم، ولهم إنشاء المدارس الخاصة بهم. وكانت أول مظاهر هذه الحرية قد ظهرت في تطبيقات الرسول العملية، إذ كان من ضمن الغنائم التي آلت إلى المسلمين بعد فتح خيبر مجموعة كبيرة من نسخ التوراة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بردها مباشرة إلى أصحابها اليهود( انظر: أحكام الذميين والمستأمنين (101). 3) - حرية التنقل: ولغير المسلمين من أهل الديانات الأخرى حرية التنقل والحركة، والسفر والترحال، من بلد لآخر، في أي وقت شاؤوا، ولأي اتجاه ساروا. 4) - حرية العمل والكسب وتولي مناصب الدولة: إن أبواب العمل مفتوحة للمسلمين ولغيرهم لممارسة أي عمل أو مهنة وهذا ما دفع غير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي بكل ثقة وطمأنينة أن يتوجهوا إلى الأعمال التي تدر أكبر قدر من الأرباح، فقد كانوا صيارفة وصياغاً وتجاراً وأطباء (انظر: الخراج (69).). وكذلك الأمر بالنسبة لتولي وظائف الدولة فلهم مطلق الحرية في ذلك باستثناء الوظائف التي لها السّمة الدينية الاعتقادية البحتة كالإمامة العامة والقضاء. ولهم المشاركة فيما يسمى مجلس الشعب ترشيحاً وانتخاباً لأن عضوية هذا المجلس، تفيد في إبداء الرأي للدولة وعرض مشاكل وأحوال المواطنين ومعالجتها( انظر: أحكام الذميين والمستأمنين (84). 5) - الحرية الاجتماعية: والمقصود بها حرية ممارسة كل النشاطات الاجتماعية كالمهرجانات والأعياد والزيارات، وكانت سمة المجتمع الإسلامي هي التعايش السلمي بين كل طوائفه وملله ، وكان النبي يعود مرضى غير المسلمين، ويزور جيرانه منهم، ويتفقد أحوالهم، فيحسن إلى محتاجهم، ويتجاوز عن مسيئهم، ويدعوهم للإسلام بكل رفق ولين ( انظر: صحيح البخاري (4/4).). ولقد كان احتفال غير المسلمين بأعيادهم ومناسباتهم من الأمور المألوفة لدى المجتمع الإسلامي، في جو من الحرية والتسامح ( انظر: الديّارات للشابُشتي (14). .. يتبع