أولا: يجب أن تعلم أن ”الأعمال” التي يعنيها ابن عطاء الله هنا هي الوظائف والأوامر الدينية. = ثانيا: إن المعنى الذي تتضمنه هذه الحكمة معروف ومألوف، غير أنه يغيب عن كثير من الأذهان (رغم أهميته)، لدى التوجه إلى الوظائف والأعمال الدينية. ومن ثم فقد كان هذا المعنى بحاجة إلى دراسة وشرح... فكل من تحدثه عن الطاعة والذكر وممارسة أعمال الخير تحجج بضيق الوقت، فما الذي يقال لهؤلاء المستعجلين في أمور معَاشِهم التي ضمنها الله لهم،والمُسوٍّفين لواجباتهم الربانية التي كلفهم الله بها؟ نقول ما قاله ابن عطاء الله: إنها رعونة من رعونات النفس. ولكنا نبدأ فنسأله قبل أن نواجهه بهذه الحقيقة: ما المهمة التي خلقك الله من أجلها؟ لعله لا يعلم الجواب، ولعله لم يصغِ في يوم من الأيام إلى حديث الله عن مهمة الإنسان ووظيفته التي خلق من أجلها يقول تعالى:{وما خلقت الجّن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رِزق وما أريد أن يطعمون}. إذن فالمطلوب من الإنسان أن يعرف ربه من خلال معرفته لنفسه عبدا مملوكا له، ثم أن يصغي إلى الوصايا والأوامر والنواهي التي خاطبه الله بها، فينهض بها وينفذها على الوجه المطلوب. ثم إن الله ضمن للإنسان في مقابل ذلك حاجاته وأسباب طمأنينته وسخر لمصلحته سائر المكوِّنات التي حوله،كما قد قال له ممثلا في شخص آدم عليه السلام إذ خاطبه وهو في الجنة قائلا: {إنَّ لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى، وأَنك لا تظمأُ فيها ولا تضحى}. فكيف نركن إلى النعيم الذي هو وسيلة مسخرة وتغفل عن أداء المهمة الأصلية التي كلفت بها؟! كثيرون هم الذين يعرضون عن العبادة ويتجهون بدلا عنها إلى الدنيا التي سخرها الله له على طريق السير إلى أداء مهمته، فركن إليها، واستمتع بها، ورقص على إيقاعها، ونسي سيده وأمره، وفضله وإكرامه، التقط المغانم فعانقها، وأعرض عن المغارم والواجبات فنسيها واستخف بها.!! إذ منا من يمني نفسه بالإقبال على الله عندما يذوي شبابه وتتراجع غرائزه وهو مقوَّس الظهر، معتمدا على عكاز!! وهل هذا هو شأن العبد المملوك مع ربه المالك؟ أم أن هذا هو شأن الإنسان الوفي مع سيده المنعم المتكرم المتفضل؟! أما عن سبب ذلك فهو يرجع إلى ما يلي: 1 - من أين لهذا الإنسان أن يعيش إلى أن يفرغ من مشاريعه التجارية،أو من أحلامه التوسعية، أو أن يتقاعد من وظيفته؟ فكفى بالموت واعظا.قال تعالى:{يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فمُلاقيه}. 2 - لماذا يجعل الإنسان التسويف من نصيب واجباته الأساسية التي خلقه الله من أجلها، ولا يجعله من نصيب أنشطته الدنيوية ورغباته المعيشية التي ضمنها الله تعالى له؟.. 3 - إن الوظائف الدينية التي كلف الله الإنسان بها ذات هدف معروف ومكرر في كتاب الله، ألا وهو التربية وتزكية النفس. ودور هذا الهدف يتمثل في تقييد الأنشطة والأعمال الدنيوية من تجارة وصناعة وزراعة.. بقيود الأخلاق لكي تبعدها عن سبل الغش والخداع والختل والمكر بالآخرين. وهذا يتوقف على تمازج النشاط الدنيوي بأشكاله وأنواعه المختلفة بالأنشطة الدينية التي تربي الفرد وتزكي النفس. إذن فواجبك أن تطيع الله حيثما استعملك. ...(يتبع) المرحوم الشيخ سعيد رمضا ن البوطي( بتصرف)